22 نوفمبر، 2024 6:46 م
Search
Close this search box.

إتفاق فيينا بين الأمنيات والقراءات الصحيحة

إتفاق فيينا بين الأمنيات والقراءات الصحيحة

لا زال صدى الإتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الدول الكبرى الذي حُسم مطلع الشهر الحالي في فيينا مدوياً في العديد من دول المنطقة والعالم ، لما يمثله من أهمية كبيرة قد تسُهم في إعادة ترتيب ورسم معالم جديدة لمنطقة الشرق الأوسط ، فمن يتابع الإعلام العربي سيجد أنه يعكس قلقاً واضحاً من هذا الإتفاق وتحذيرات مكثفة من أخطاره وأبعاده الإستراتيجية ، في إطار حملة لا تخلو منها رائحة الطائفية التي تزكم الأنف ، وهذا ما أشار إليه السيد ظريف عندما سأله وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن شدة إستغرابه من هذا العداء الذي تضمره دولة إقليمية جارة ومسلمة كالسعودية لإيران بذلت كل ما في وسعها لإفشال هذه المفاوضات … إنها الطائفية سيد كيري . ان ما يلفت النظر في حملة التحريض الإعلامي هذه هو إفتقارها لأية رؤية أو طرح حقيقي في مواجهة التحدي النووي الإيراني، واعتقد ان سبب ذلك يعود الى حالة الهستيريا أو الصدمة التي أصابت معسكر الدول التي تقف بالضد من تلك اللحظة التي نجحت فيها المفاوضات ، حيث كانت معظم الرهانات العربية تعكس أمنيات طائفية بفشل المفاوضات النووية ولم تكن رهانات تعبر عن قراءات سياسية وعلمية دقيقة لواقع ما يجري في فيينا ، وهذ إن دل على شئ فأنه يدل على سذاجة وسطحية العقلية المُشبعة بغبار الصحراء. وفي هذه النقطة سأسوق للقارئ حكاية قصيرة لتكون دليلي فيما أسلفت ( يقول الكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل … كنت حريصا ذات مرة على اللقاء بالسيد حسن نصر الله بعد الإنتصارات التي حققتها المقاومة الإسلامية والتي أثارت إعجاب الكثير فجرى ترتيب ذلك اللقاء الذي كان مطولاً على غير العادة ، حيث أسُتهلكت ساعاته في مناقشة العديد من القضايا والملفات السياسية الإقليمية ، مرت تلك الساعات الطوال مرور السحاب وكأنها دقائق معدودات لم أشعر بالتململ أو الضجر بسبب الغنى الفكري وبعد النظر الذي يمتلكه السيد نصر الله فخرجت منه وانا في غاية النشوة لما لمست وأستمعت …. في مقابل هذا المشهد صادف ذات مرة اني كنت متواجدا في العربية السعودية فأخبرني أحد أركان العائلة المالكة ان الملك ( الراحل )عبد الله ينوي رؤيتي وقد أعد مأدبة غداء على شرفي ، فما كان مني إلا تلبية الدعوة وقد حضر الملك عبد الله وكنت جالساً الى جانبه … كنت أتوقع أن يكون هناك حواراً دسماً يتلائم والمائدة المفروشة وأن يسألني الرأي عن ملفات عربية وأقليمية شائكة ومعقدة وإننا سنتجاذب أطراف الحديث عنها ، لكنه فاجئني بسؤال لم يخطر على بالي مطلقاً … تجاوزت الثمانين سنة ياهيكل كيفك بذراعك ؟؟؟ لم يدم اللقاء سوى نصف ساعة أحسست وكأنها حجرا كبيرا ملقى على صدري وإستذكرت حينها لقائي بالسيد نصر الله ). إنهما صورتان متناقضتان في كل شئ … كل شئ لكنهما معبرتان عن كل شئ في ذات الوقت. فهذا هو حال العقلية العربية

الصحراوية التي شبت على الترف والنعيم والتي لا تعرف قيمة الحياة إلا من خلال غرائزها فقط. أعود لصلب الموضوع ثانية … وأقول إن الحملة الإعلامية العربية ضد الإتفاق النووي رافقتها إتصالات وجولات أميركية عديدة لطمأنة الدول الحليفة لها من نتائج هذا الإتفاق وفي مقدمتها السعودية التي أصابها الذعر والهوس ، فموازين القوى في الشرق الأوسط عودتنا أن يكون هناك قطباً مؤثراً واحداً فيه (الى جانب أسرائيل طبعا للحفاظ على حالة التوازن الإقليمي) ، لذا بات من المؤكد أن حيز هذا القطب سيكون إيرانيا بإمتياز بسبب المقومات التي تمتلكها فهي تحتل المركز السابع عشر عالميا في حق العلوم والبحوث و تنفق مايقرب من سبعة مليار دولار سنويا على حقل البحوث العلمية فضلا عما تمتلكه من مؤهلات سياسية وإقتصادية أخرى جعلتها مهيئة تماما لأن تتسيد الشرق الأوسط الجديد. ولم تقتصر الجولات التي أعقبت الإتفاق على الجانب الأميركي فها هو السيد ظريف عميد الدبلوماسية الإيرانية يحمل معه الى جانب إبتسامته العريضة رسائل تطمين الى دول المنطقة تدعو الى الحوار والتعاون الإقليمي في مواجهة خطر الإرهاب واعتقد ان هذه الجولة ماهي إلا الخطوة الاولى على طريق مسك زمام الأمور في المنطقة وإشغال حيز الفراغ الذي تركته احداث الربيع العربي وما سبقها من تهاوي مُخزي لنظام صدام حسين ، فإذا ما أستثمرت إيران إمكانياتها السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية في المنطقة بشكل هادئ ومتوازن وبالتفاهم مع دول الجوار الإقليمي فعندها لربما سنكون على أعتاب شرق اوسط جديد خال من التطرف والإرهاب ،فإيران اليوم لم تعد عدوة لأميركا ولم تعد تمثل محور الشر وقد دخلت النادي النووي باعتراف المجتمع الدولي ، وعلى دول المنطقة القلقة والمذعورة من الإتفاق النووي الإيراني وتبعاته فتح قنوات الحوار مع أيران من أجل التوصل الى حلول للقضايا الخلافية الإقليمية كالحروب في سورية واليمن، والوضع في العراق ، وكيفية مواجهة داعش التي تهدد إستقرار المنطقة . ولتدرك الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ومن يقف معها من سياسيو الصدفة الحالمين برؤية حل عسكري دولي إزاء البرنامج النووي بأنه لا توجد أية مشاريع دولية عسكرية في مواجهة القوة الإيرانية المتنامية لا في الوقت الراهن ولا حتى في المستقبل، فالغرب يعلم جيدا قدرات إيران ومتانة الخيوط التي تُمسك بها في المنطقة ابتداءً من موقعها الإستراتيجي وتحكمها بأكثر الممرات البحرية أهمية فضلاً عن الأذرع العسكرية القوية المؤيدة لها في المنطقة والقادرة على تشتيت تركيز العدو وإثارة القلق في أكبر رقعة جغرافية ممكنة، كما إن الغرب يعلم جيدا أن إيران أول ما ستقوم به هو إحراق موانئ تصدير النفط والغاز لتأزيم العالم إقنصاديا ً ، بالإضافة الى الرأي العام الأميركي الذي لم يعد يحتمل رؤية أبنائه وهم عائدون الى الوطن مُحَملين داخل النعوش فدرس العراق كان قاسياً بالنسبة لهم ، لذا ما أدعيه هو ليس محاولة مني لنفخ فقاعة ايران وقوتها العسكرية بقدر مايمثل قراءة سريعة في مشهد دولة أستطاعت بحكمة وحنكة قياداتها أن تخطو نحو آفاق التطور خطوات يقف العالم اليوم إزاءها بكل إعجاب وتقدير .

أحدث المقالات