إعتدنا في الماضي القريب، على سماع الخطب الحماسية، ورمي الإتهامات بكل الإتجاهات، فصار المأزوم بطلا وطنيا، في نظر من إستهوته تلك الكلمات الجوفاء، أما من يتكلم بهدوء وعقل ومنطق، بدا وكأنه خارج السرب، ومنبطحاً في نظر تلك الفئة الشاذة.
أدى خلاف الحكومة مع الإقليم، إلى شرخا كبيرا، في العلاقات السياسية والإقتصادية والمجتمعية ،حتى وصل الحديث إلى الإنفصال، وتهديد الوحدة الوطنية، وتعطلت الموازنة، وإنشلت الحركة الإقتصادية، على مستوى الوطن.
تضمن البرنامج الحكومي، في الفقرة (17) منه، حل الخلافات بين الإقليم والمركز، وفقا للدستور، فتكللت جهود وزير النفط ،بإبرام إتفاق أولي، والمتضمن تعهد الإقليم، بتصدير (150000) برميل من النفط، مقابل أن تدفع الحكومة، مبلغ نصف مليار دولار، مستحقات رواتب لموظفي الإقليم، إنه إتفاق أولي ،وليس شامل لجميع القضايا، ولكن؛ تكمن أهميته ،في إعادة الثقة المفقودة بين الطرفين، وفتح الأبواب لحلول جذرية وشاملة، لكل القضايا العالقة.
أثار هذا الإتفاق، حفيظة بعض السياسيين، ممن يحسبون على الطرف المعارض للتغيير، أثاروا لغطا وتساؤلات بعضها مشروع، وبعضها حق أريد به باطل، حتى وصل الأمر، أن وصفت إحدى النائبات، ذلك الإتفاق “بالنكبة الوطنية”!.
نتسائل! ماذا تسمي لنا النائبة، سقوط ثلث العراق، من قبل الدواعش، ومن دون قتال، وبساعات قلائل ؟ ونقول للنائبة “المنكوبة”، صاحبة النظرية الشهيرة(7×7)، إذا كان ترسيخ الوحدة الوطنية، وحل المشاكل المستعصية وضمان مصلحة الجميع، نكبة وطنية، فلتكن أيامنا كلها نكبات.
لم يكن الاتفاق بدعة، بل سبقه إتفاق، في نيسان من السنة الماضية، ورد فيه أن الحكومة الاتحادية، تعطي للإقليم مبلغ مليار ومئتي مليون دولار، مقابل تسليم الإقليم مائة ألف برميل للحكومة ! لكن؛ هذا الإتفاق لم يرَ النور، بسبب الخلافات السياسية، والأجواء المشحونة.
بعد أحداث الموصل، سيطر الكرد على حقول نفط كركوك، بعد إنسحاب الجيش العراقي منها، وتوقف الإنتاج فيها قبل تلك الأحداث، بفعل التخريب المتعمد للأنابيب الناقلة، فجاء هذا الإتفاق، ليكسر تلك المعادلة، التي أصبحت فيها كركوك، تحت السيطرة الكردية كواقع حال، وهذا يعني أن مليون برميل من النفط، ستضاف إلى العراق ،وحوالي ثلاثين مليار دولار، نحن بأمس الحاجة إليها.
لم يأتِ ذلك الإتفاق، من فراغ بل جاء نتيجة جهد كبير، من السيد عادل عبد المهدي، الذي أتصف بالحكمة والخبرة السياسية والاقتصادية، والأهم هو عامل الثقة، التي تبعث رسائل إطمئنان إلى الآخرين.
إن اللجوء إلى الحوار الهادئ، وبعيدا عن ضجيج الإعلام، والمزايدات السياسية، سيعطي أملا بحلول ناجحة ودائمة، تجنبنا خطر التقسيم، والإضرار بالمصالح المشتركة، وسنجني الثمار ولو بعد حين.