لاشك إن مسؤولية توجيه الناس وإسداء النصيحة لهم وإرشادهم إلى طريق الهداية والخير والصلاح تفع بالدرجة الأولى على عاتق العلماء لاسيما عند نزول الفتن وتفشي الفساد وانتشار الضلال فهم الأولى بتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب وترد المظالم، وتعمَّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر على حد تعبير الأمام الباقر “عليه السلام” ، وان أي تقوقع وانعزال وانزواء للعلماء عن إحداث الأمة يفتح الباب على مصراعيه لانتشار الفساد والضلال والانحراف فضلا عن أن يكونوا هم من يقلب الموازين ويزور الحقائق ويترك التوجيه والنصح والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف …
إذا كان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم نزع البركات وتَسَلُّط الأمة بعضُها على بعض وفقدان الناصر في الأرض وفي السماء كما يعبر عن ذلك النبي الأمين “صلى الله عليه وآله” ، فكيف سيكون حالها فيما لو عزفت علماؤها عن النصح وأمرت بالمنكر ونهت عن المعروف كما هو حالها حينما مررت ودعمت الفساد والفاسدين وأصدرت الفتاوى الطائفية والتكفيرية وساندت الميليشياوي والتكفيري وعَمَّقت ورَكَّزَت الفتنة والاقتتال بين المسلمين…
من المفارقات العجيبة أن إبليس يقدم النصيحة وأئمة الضلالة لا ينصحون بل يثبتون الفساد والانحراف ، ولقد كشف عن هذه الحقيقة المرجع الصرخي خلال تحليله للرواية السابعة والعشرون بعد المئة في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر وفي تلبيس إبليس لابن الجوزي ، قال:
” بَيْنَمَا مُوسَى جَالِسٌ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ إِذْ جَاءَهُ إِبْلِيسُ وَعَلَيْهِ بُرْنُس له ألوانا، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ خَلَعَ الْبُرْنُسَ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا إِبْلِيسُ. قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ لمنزلتك عند الله ولِمَكَانِتك عنده، قَالَ عليه السلام: مالذي رأيته عليك؟ قَالَ: بِهِ أَخْتَطِفُ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ. قَالَ موسى (عليه السلام): فمَا إِذَا صنع الإنسان اسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ إبليس: إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَاسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَنَسِيَ ذَنْوبه “، وأحذرك ثلاثا…
وقبل أن يكمل المرجع الصرخي الرواية علق حول هذا النصح من إبليس لنبي الله موسى “عليه السلام” ، قائلا: ((هذه نصيحة أم ليست بنصيحة هذه نصيحة من إبليس، إبليس يقدم النصيحة وأئمة الضلالة لا يقدمون النصح أئمة الضلالة يثبتون الفاسد والفاسق والمليشياوي والتكفيري، أئمة الضلالة من هذا الجانب ومن ذاك الجانب، من هذا الدين ومن ذاك الدين من هذه الطائفة ومن تلك الطائفة، من هذه القومية ومن تلك القومية، يثبتون الفاسد يثبتون القبيح يثبتون الجرم والظلم والقتل والتقتيل، وابليس ينصح وائمة الضلالة لا ينصحون.