18 ديسمبر، 2024 5:05 م

إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وقصة بنائهما البيت العتيق

إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وقصة بنائهما البيت العتيق

أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يبني الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، فتوجّه إلى مكة، حيث يقيم ابنه إسماعيل عليهما السّلام، وقال له: إن الله يأمرني بأمر، قال: إسماعيل: اصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: إسماعيل: وأعينك، قال: إن الله أمرني أن ابني هاهنا بيتاً وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وقد أشارت آيات القرآن الكريم إلى بناء إبراهيم وإسماعيل – عليهما السّلام – لبيت الله الحرام.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الكعبة قد بنيت قبل إبراهيم – عليه السّلام – وكان فعل إبراهيم وإسماعيل هو تجديد بناء الكعبة وليس إنشاؤه؛ لأنّ الكعبة قد بنيت من قبل، لكن بقيت أساساتها، فرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد على تلك الأساسات.
وذهب علماء آخرون إلى أن الكعبة لم تبن قبل إبراهيم وإسماعيل، وما كان أحدٌ قبلهما يعلم أن من مكانها كعبة، وأنها كانت مبنية ثم هُدمت، ولو كانت مبنية ثم هدمت لعلم العرب ذلك، وتناقلوه في بلادهم في الحجاز واليمن ونجد، وبما أنهم لم يتناقلوا ذلك فهو دليل على أن الكعبة لم تكن مبنية من قبل، وإبراهيم وإسماعيل – عليه السّلام – هما أول من بنيا الكعبة.
لا توجد أحاديث صحيحة تتحدث عن بناء الكعبة قبل إبراهيم – عليه السّلام – وكل ما يعتمد عليه أنصار القول الأول، إنما هو أخبار وروايات لم تثبت ولم تصح حديثياً، ولذلك لا تعتمد ولا تدل على ما يراد بها في موضوع النزاع.
ومن أراد معرفة ملابسات بناء الكعبة فعليه بالوقوف أمام الآيات القرآنية التي تحدثت عن ذلك، فقد اعتمد أنصار القول الأول على ظاهر قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} ]الحج:26[، وعلى ظاهر قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ]البقرة:127[، فقالوا: إن مكان البيت كان موجوداً قبل إبراهيم ولكنه كان مخفياً مطموراً؛ لأنّ البيت كان مهدوماً وبوأ الله لإبراهيم مكان البيت ودلّه عليه، وأرشده إليه، وعرّفه على أساساته، فقام هو وإسماعيل يرفع القواعد على تلك الأساسات، ولا نرى الآيتين تدلان على ما يقولون، فقوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}، يدل إبراهيم على هذه المنطقة التي سيبنى عليها البيت وهيّأها له، وأمره ببناء البيت في ذلك المكان الذي حدّده له سبحانه، والذي سيعلم منذ الأزل أنه سيكون فيه بيته المحرم والذي جعله أقدس وأشرف بقعة في الأرض
لما بوأ الله لإبراهيم مكان البيت وأمره ببنائه، نفّذ إبراهيم أمر ربه، فأرسل مع إسماعيل أساسات البيت، وبعد ذلك قاما برفع قواعده فقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، يتحدث عن المرحلة الثانية من مراحل بناء الكعبة، ويسكت عن المرحلة الأولى ولا يستنبط منه أن الأساسات قد بنيت قبلهما، ونظراً لعدم وجود أحاديث صحيحة حول بناء البيت قبل إبراهيم فإننا نبقى مع ظاهر الآيات، ونقول: إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – هما أول من بنيا الكعبة، وأن الكعبة لم تُبن قبلهما والله أعلم.
وحول هذا المعنى، يقول الإمام ابن كثير: أمر الله إبراهيم – عليه السّلام – أن يبني له بيتاً، يكون لأهل الأرض كتلك المعابد لملائكة السماوات، وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له المعين لذلك منذ خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الصحيحين: إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.
ولم يجيء في خبر صحيح عن المعصوم أن البيت كان مبنياً قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله: {مَكَانَ الْبَيْتِ} فليس بناهض ولا ظاهر؛ لأنّ المراد مكانه المقدر في علم الله، المقرر في قدره، المعظم عند الله موضعه، من لدن آدم إلى زمان إبراهيم، وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبّة، وأن الملائكة قالوا له: قد طفنا قبلك بهذا البيت، وأن السفينة طافت به أربعين يوماً أو نحو ذلك، ولكن كل هذه الأخبار من بني إسرائيل، وقد قرّرنا أنّها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردّها الحق فهي مردودة.
والقول ببناء الملائكة للكعبة ليس عليه دليل صحيح، وكذا بناء آدم عليه السلام لم يثبت فيه شيء ولا يستطيع أحد أن يجزم به، وكذا بناء شيت بن آدم عليه السلام، وكذا بناء قصي بن كلاب، وإن ذكره بعض المؤرخين إلا أنه لا يعتمد فيه على مجرد الذكر، ولا يثبت بناء عبد المطلب للكعبة، والقول الراجح في بناء الكعبة قبل الإسلام.
إن الثابت أن الكعبة بنيت قبل الإسلام أربع مرات فقط، وهي على النحو الآتي:
بناء إبراهيم عليه السلام وهو أول بناء للكعبة المشرفة.
بناء العمالقة.
بناء جُرهم.
بناء قريش، وكان ذلك قبل البعثة النبوية بخمس سنوات، حيث اشترطوا: ألا يُدخلوا في بنائها مالاً حراماً، فقصرت بهم النفقة الطيبة على إكمال البناء فأنقصوا من جهة الحجر ستة أذرع وشبراً أي: حوالي ثلاثة أمتار وربع.
وأداروا عليه جداراً قصيراً؛ ليطوف الناس من ورائه، وأحدثوا بعض التغيرات فيها، فزادوا ارتفاعها إلى 18 ذراعاً، وسقفوها، ولم تكن من قبل مسقوفة، وجعلوا لها ميزاباً من خشب، وسدّوا الباب الغربي، ورفعوا الباب الشرقي على مستوى الأرض، حتى يدخلوا فيها ما شاؤوا ويمنعوا ما أرادوا، وقد شاركهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا البناء، وكان يحمل معهم الحجارة.
ولما انتهى البناء وأرادوا وضع الحجر الأسود، وقع بينهم نزاع شديد كل قبيلة تريد أن تحظى بشرف وضع الحجر في مكانه ورضوا أن يحكم فيهم أول داخل إلى البيت وكان الداخل هو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ الحجر ووضعه على رداء وأمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف منه فرفعوه، وقام صلّى الله عليه وسلّم بوضعه مكانه وأنهى بهذه الحكمة السامية نزاعاً كاد أن يمزق وِحدتهم ويودي بحياة عدد كبير منهم.
وبنيت الكعبة بعد الإسلام ثلاث مرات فقط، وهي على النحو الآتي:
بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
بناء الحجاج بن يوسف الثقفي.
بناء السلطان مراد خان. ومن أراد التوسع فليراجع كتاب الكعبة المشرفة للدكتور محمود أحمد الدوسري.
المصادر والمراجع:
صلاح الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، (1/43).
ابن كثير، قصص الأنبياء، دار الفيحاء، دمشق، ط1، 1421ه، 2001م، ص152-153.
علي محمد الصلابي، إبراهيم عليه السّلام خليل الله، ص 1104-115.