كان الكثير ، مما يمكن أن نفخر به نحن العراقيون ، أن تبقى أعمدة الديمقراطية في العراق واقفة على قدميها، كونها كانت الأمل الوحيد الذي يعلق عليه الآمال ، في أن تبقى شجرة الديمقراطية يتفيء في ظلها الكثيرون، في وقت تظهر أركان تلك الديمقراطية أنيابها ، وفي أوقات معينة ، لتصوب سهامها الى تلك القلعة ، واذا بالكلمة تقع صريعة ، نتيجة تداعيات السلطة وجورها ، عندما تقترب بعض الأقلام من شبابيكها، لتذكرها بأن حياة العراقيين أصبحت في خطر، وإن المطلوب تصحيح أي اختلال في معادلة الديمقراطية ، قبل أن تنتقل الى مثواها الأخير!!
لم يكن إبراهيم الصميدعي، المحامي والصحفي والكاتب والمحلل والسياسي المرموق ، آخر ضحاياها ولا أولها ، بل راحت قلاع الديمقراطية تتساقط الواحدة بعد الأخرى وتتهاوى أركانها ، بعد إن تحكمت فيها قوى خارجية وداخلية في تلك الواحة، وأرادت تحويل معالم هذا البلد وصروحه الحضارية الى صحراء قاحلة ، لاتريد أن تنمو الكلمة الحرة في ظل ربوعها، كونها تعد خيرا للعراق، ومتنفسا لشعبه، عندما تدلهم بهم ظلمات الحياة ، ويريدون أن يكون صوتهم مسموعا، لا أن يتم تكميم الأفواه ، وهو ما يتعارض مع أسس الديمقراطية التي يصرح بها أقطاب العملية السياسية ليل نهار!!
لقد صدرت بالأمس مناشدات ومطالبات عاجلة بإطلاق سراح السيد إبراهيم الصميدعي ، وهو كاتب وصحفي ومحام وسياسي عراقي مخضرم ، ينبري للدفاع عن معاناة العراقيين ويحذر من مخاطر تفاقم تلك المعاناة ، ولا تأخذه في الحق لومة لائم ، وهو معروف بشجاعته في قول الحق وصراحته المعهودة حتى مع أقطاب السلطة ورموزها ، ولديه مع الكثيرين منهم علاقات واسعة حتى بضمنهم رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي ، الذي نفى اية صلة له ولأجهزته باعتقال الصميدعي ، ومع هذا لم يسلم الرجل من عقاب السلطة ومن ملاحقاتها ، ويعد صدور قرار حكم قضائي بحقه ، تعارضا مع منهج الديمقراطية وحرية التعبير التي كفلها الدستور، وتزامن إعتقاله مع عطل رسمية لكي يضيع مصيره في الاعتقال لأيام عدة، في وقت نتمنى للقضاء العراقي ان يكون معيننا في أن تبقى إشراقة الكلمة الساطعة منيرة لاتعكرها أمزجة هذا السياسي أو ذاك، ولأن إبراهيم الصميدعي لم يطلق صواريخه على الآمنين ، ولم يحمل في جعبته السلاح ليقاتل ، وانما كان قلبه وضميره وأحاسيسه كلها تعتصر الما ، عندما يرى بلده العراق تنهب ثرواته ويحترق بنيران جهات، تعددت أشكالها وألوانها والجهات التي تعمل لحسابها، وترتكب الموبقات أمام انظار الملايين، ولا أحد يقول لهم : كفى إرهابا بشعب العراق..أوقفوا قتلكم لشعبه وأناسه الطيبين ومن يريدون أن تعلو هامات العراقيين الى علياء السماء!!
إن قوى الحرية والديمقراطية وصاحبة الجلالة والنخب الثقافية والحقوقية أمام مسؤولية أن يكون لها موقف قوي هذه المرة ، بالمطالبة بإطلاق سراح الصميدعي فورا، وإن تعريض حياته للخطر أو إعتقاله، أمر يدعو للإستغراب والأسف، ويعبر عن منهج قصير النظر ، ويعد سلوكا يخالف مباديء الديمقراطية والحرية ووأدا لها، في وقت تتوجه كل الأنظار الى أن يرى العراقيون بريق أمل في نهاية النفق المظلم الذي إستمر لأكثر من 18 عاما من عصور التاريخ المظلمة ، وأذاقت العراقيين مر العلقم..!!
فهل من يسمع نداء تلك النخب والكفاءات الكبيرة، ويضع حدا لطغيان السلطة وجورها، ويبقي إشراقة أمل تنير سماء الديمقراطية ، في وقت تتلبد غيوم الشر على أرض العراق ، ويكتوي العراقيون بنيران أغلال وقرارات ومصير محدق ، يعرض حياتهم لمخاطر لاتحمد عقباها.. فهل من يسمع..اللهم إننا قد بلغنا.. !!
ولتحيا واحات الديمقراطية..وتبقى الكلمة تصدح بعليائها، كلما تطلب الحق أن تعلو كلمته وترتفع راياته خفاقة في الأعالي..وليطلق سراح الزميل إبراهيم الصميدعي ، فالإقتراب منه ومن نخب العراق الكبيرة خط أحمر..لاينبغي أن يتكرر مرة أخرى!!