صببتُ كأس شاي لأشربه فضرب الجرس، ومدير المدرسة شديد جداً، يحب أن يتوجه المدرسون للصف، عند قرع الجرس فوراً، والشاي حار جداً فرأيتُ فراشًا (فلبينياً)، إبتسمتُ بوجهه وأعطيتُه الكأس، في اليوم التالي جاءني الفراش، وقال إنه متفاجئ، فلأول مرة يرى إبتسامة مدرس في وجهه، ويعطيه كأس شاي، وكأن هناك شيئاً خطأ، قلتُ وأنا محرج:أردتُ أن أكرمكَ ونحن مسلمون وهذا من خُلقنا قال:أنا هنا منذ عامين، لم يكلمني أحد منكم بكلمة، ولم يُعبرني بإبتسامة من قبل.
الفراش يحمل شهادة في العلوم، وأن شدة الحاجة جعلتهُ يقبل بالوظيفة، فلم أصدقهُ وأردتُ أن أختبره، كانت إبنتي في الصف السادس، عندها سؤال في العلوم، فأطلعتهُ على موسوعة العلوم باللغة الإنكليزية، فأجابني بطلاقة ما بعدها طلاقة، تأكدتُ حينها من صحة كلامه، كان يزورني كل جمعة ثم أعلن إسلامه، وأقنع عشرين صديقاً بالإسلام، والسبب إبتسامة مع كأس شاي، فتذكرتُ قول المصطفى (صلواته تعالى عليه وعلى آله):”لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ”
الإعلام الرسالي إعلام لايختلق الأعداء، ويتبع سياسة الإحتواء، والإحتضان، والإستيعاب لمَنْ لايمتلك أجندة واضحة، وإن كان على خطأ، فيجب أن نجتذبه إلينا بسلوكنا العملي الجميل، الذي يتماشى وأخلاق ديننا الحنيف، وإلا فكأس شاي وإبتسامة وأخذ وعطاء، درس بليغ على صغر حجم المعروف، في كيفية إقناع الطرف المقابل، ليأخذ موقفاً إيجابياً عنك وعن دينك وعقيدتك، والأمر نفسه مع مَنْ أنتجتهم مصانع الإستكبار العالمي، وغُرر بهم للنيل من الإسلام، وتشويه صورته المقدسة، ومحاولاتهم البائسة لربط الإرهاب بالإسلام.
النصر الذي تحقق على أيدي أبطال العراق، بكافة صنوفهم القتالية والجهادية، لم يكن مجرد كأس شاي وإبتسامة، بل كانوا كساقي عطاشى كربلاء، وفتح ممرات آمنة لإعادة الحياة للأبرياء، وحمل عجوز، أو شيخ، أو طفل، أو تضحيات رسمتها أياديهم وأرجلهم، التي بترت جراء المعارك الشرسة، وأوسمة شرف عراقي تكلمت عن نفسها بالدماء والدموع، وعلى أثرها تحررت المدن، فكان بحق الحشد جهادياً وإنسانياً، ودون مبالغة إن قلنا: كان الناس يعيشون بين حلم لا يكتمل وواقع لا يحتمل.
مخرجات عمل الخير والمعروف كثيرة جداً، وتحديداً في المجال الإعلامي، فكلنا يلاحظ قيمة الأناشيد الحماسية التعبوية، الخاصة بمعارك الدفاع عن الأرض، والعرض، والمقدسات بعد عام (2014)، والتي بثت العزيمة والكبرياء في نفوس العراقيين، ليلبوا نداء المرجعية العليا، ويلجموا أبواق الدواعش الفاسدة، فإنتصر مشروعنا وجهادنا على أوهامهم وخرافتهم المزعومة، وبالتالي فإن التعبئة الوطنية الصادقة للجماهير، حركت الدماء في العروق، ووقف غيارى الحشد وقفتهم الإنسانية، ودفعت الناس للإنسجام مع المشروع الجهادي، فأي معروف هذا، وأي إبتسامة تلك؟!