ما إن يتم ذكر الواقع المزري الذي تتّصف به الأمة العربية والإسلامية وحالة البؤس والتخلّف السياسي والاقتصادي والعلمي والمعرفي وحتى الأخلاقي التي تجعل معظم الشعوب العربية والإسلامية تقبع في مكانة متأخرة بين الأمم الأخرى يأتيك ردّ متحجّج ومتفاخر بالعصر الذهبي للأمة العربية والإسلامية ، فمثلاً إذا كان الحديث عن تخلف العرب في مجال الرياضيات الحديثة سرعان ما يأتيك ردّ من البعض أن العالِم المسلم الخوارزمي هو واضع علم الرياضيات ،أما إذا كان الكلام عن قدرات الطب الحديث في علاج أصعب الأمراض يشار إلى كون الأطباء المسلمين من أمثال ابن سينا والرازي كانوا متفوقين على نظرائهم الأوربيين في مجالي التشريح والجراحة . وبالطبع هناك علماء عرب يُشار إليهم بالبنان كانت لهم الكثير من الإكتشافات العلمية والمعرفية والفلسفية ونحو ذلك كالخوارزمي وابن سينا والكندي وابن البيطار وابن رشد وغيرهم، وبلا شك وبدون نقاش أن هؤلاء العظماء المذكورين أعلاه كانوا في عصر ما مصدر إشعاع للعلم والمعرفة وتطوّر الحضارة العربية حتى أُطلق على عصرهم ( بالعصر الذهبي ) .
لكن يا عزيزي نحن لا نتحدث عن الماضي العربي الزاهر ولا خلاف عليه، نحن نتحدث عن حاضرنا المثقل بالتخلف والبؤس والضياع ، لماذا نهرب من الحاضر ونحتمي بالماضي ؟. لماذا لا نعترف بحقيقتنا ونقول ؛ لقد انتهت حضارتنا واخلاقنا ولم يبقى لدينا ما نفتخر ونتباهى به سوى الموت وتقديم الضحايا والشهداء، ونحر الخراف واقامة الولائم، واستقبال الضيوف بتبادل القُبلات مثنّى وثلاث ورباع والضرب على الأكتاف !، ما من صديق أوقريب وحتى البعيد التقيت به وسألته عن أسباب تخلّف العرب والمسلمين إلّا و كانت إجابته : أن العرب كانوا في الماضي كذا وكذا !، وهذا الجواب يذكّرني بجواب سيف العرب كما يطلق عليه هذا اللقب معظم العرب حين يسألوه عن سبب هزيمته النكراء من الكويت يقول لهم ؛( نحن هُزمنا من الكويت ولكننا إنتصرنا على إيران ) !.
وهذه الإجابة المثيرة للسخرية مبرّر واضح لهزيمتنا في الحاضر وتشبّثنا بالماضي الذي أكل عليه الدهر وشرب ،لقد أصبحت حالتنا نحن العرب كحالة سيف العرب الذي صفّق وهتف له العرب والمسلمين في كافة الدول العربية والإسلامية ولا زالوا يصفّقون ويهتفون لزعيمهم الأوحد الذي حقق لهم الهزائم العربية والإسلامية تلوالهزائم في حروب صنعها العرب والمسلمون بأياديهم وغذّوها من حطب أشجارهم حتى إنتهى المطاف بزعيمهم الأوحد في ( حفرة بائسة ) اختبأ بها مع الجرذان هارباً مذعوراً من ( الأمريكان ) الذين هم العدو الأوحد للعرب والمسلمين .
أن حال الأمة العربية يدعو للرثاء والعويل والبكاء بعد أن وصل بها الحال الى مرحلة التخنّث ، ويدعو للإشمئزاز والتقزّز بعد أن تنازلنا عن رجولتنا وكرامتنا وعروبتنا والأفضع من ذلك تنازلُنا عن أراضينا ومستوطناتنا، أن الأمم كلها فى تقدم وتطوّر متسارع ونحن مازلنا نعيش على أعتاب الذل والهوان والهزائم والخيبات ، نتباكى على الماضي ونفتخر بالخطبات الإنشائية التي ما نفعتنا بشئ ، ونتغنى بالعنتريات التى قتلت شعوبنا ولم تقتل عدو واحد من أعداءنا المتربصين بناء شراً !.
لقد انتهت حضارة العرب وانهارت قيمهم وأعرافهم ولم يعد لديهم ما يفتخرون به عدا الأشياء التي سبق ذكرها، نحن أمة منبهرة بماضيها ، أمة لا تنظر الّا لما هو مشرق فيه ولا تنظر لحاضرها المتخم بالجهل والتخلف ، نحن أمة تأكل وتنام وتشتم ، أمة لا تفكّر الا ببطنها وفرجِها حتى توقفت عن التقدم والإزدهار !. أمة سادت في مرحلة تاريخية ثم انتهت وتبعثرت وانهار كل شئ فيها بما في ذلك الأنهيار الأخلاقي الذي يقول عنه الشاعر ؛ ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ،،، إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ).
لذا من الواجب الإنساني على هذه الأمة المتخلفة الرجوع الى مفترقات الطرق ومعالجة الأسباب التي أدت بها الى هذا التسيّب والإنهيار المعرفي والقيمي والأخلاقي لتعود الى زهوها ومجدها وتعيد حضارتها التي اجتاحت العالم، والا ستبقى الأمة في تدهور وضياع وتفسّخ وانحلال على مختلف المستويات وستلعننا الأجيال القادمة ونحن في قبورنا بعد أن تركناهم في هذا الضياع المهول لا شئ يتفاخرون به من الناحية العلمية سوى الجامعات الرنانة ومراكز البحوث العلمية التي سيكتشفون أنها مجرد وهم وسراب لا ترقى الى ما وصلت اليه الجامعات والصروح العلمية لدى الأمم الأخرى وسيكتشفون أن العرب أمة سادت ثم بادت وصارت أسوء أمة أُخرجت للناس بعد ما كانت خير أمة أخرجت للناس !.