تظاهرة مليونيه ، حشود من النساء والرجال شيبا وشبانا واطفالا، توافدت من مختلف المحافضات ملوحين بالأعلام العراقية واللافتات مرددين هتافات مدوية واهازيج بحب العراق صدحت بها حناجرهم فارتجت اركان الأرض والسماء .
اكتظت بهم شوارع بغداد الحبيبة ، على بعد عدة كيلومترات لتلتحم مع الجماهير التي غصت بها ساحة التحرير بمنطقة الباب الشرقي ، وشموخ تمثال حريتها الخالد الذي ماانفك يروي ملحمة العراق في كل العصور برموزه الخالدة ، وأصـالة فن الراحل جواد سليم .
وللتحـرير ساحة ، نصبت فيها الخيام المجهزة بالمعدات الطبية والماء والطعام ، التي تنبأ بان الشعب قد قرر الأعتصام ، يهتف فليسقط الظـلم ، الصمود لغاية تحقيق المطاليب الموجهة الى الحكومة والمنظمات العالمية
حشود مليونية هائلة شاركت فيها كافة الفسيفساء الشعبيـة العراقية بمختلف القوميات والأديان اتفقوا على حب الوطن ، هلل الأطفال وزغردت النساء ، غنى الجميع للعراق مرددين الأناشيد الوطنية ، والأهازيج الشعبية ، الحناجر تصدح مدوية بنشيد العراق الخالد : موطني موطني …الجلال و الجمال و السناء و البهاء في رباك……
ستشرق شمس الدمقراطية تضيء الطريق لتسير الجموع مع ركب الحضارة والتقدم والأزدهار ولتخسـأ معاول الهـدم والظلام ، والأيادي الصفراء الجشعة ، والكروش المتخمـة بأموال الفسـاد الى الجحيم
لقد صمم الشعب الأعتصام لغاية تحقيق مطاليبه العادلة ، التي تراوغ الحكومه بتحقيقها منذ ما يقارب العـشرة سنوات ، فهم الآن مصرين على انتزاع حقوقهم العادلة ، من أجل حياة حرة كريمة ، تليق بشعب غني أبي يتضور جوعا ، في بلد الخير والثروات الهائلة المنهـوبـة من قبل حفنة جشعـة لاتشبـع ، تعيش على خلق الأزمات بأنواعها ، لتتستر على اجرامها ، ولتغطي ممارساتهـا اللاإنسانيـّـة الغاشمة .
خلقوا الميليشيات الإرهابيـّـة المتطرفة المسلحة المتناحرة ، هادفون السير بالوطن نحو الفوضى والفتن والأرهاب والتطرف ضمن مخطط تآمري مدروس يسعى لتقويض امن واستقرار البلد ، متسترا بجلباب الدين مزينا بالخواتم الملونة
يوم مهيب ! ساحة تحريرنا مزينة بالأعلام العراقية تحمل شعارثورة 14 تموز الخالدة. وصور الشهداء الذين سالت دمائهم انهارا لتخضب ارض العراق الطاهرة ، رفعت بإيادي الآلاف من الأمهات والأرامل والثكالى العراقيات الصابرات.
رددت الجماهير المحتشدة استنكارها للوضع المأساوي ، الذي يعيشه العراق في بيئة لوثها المجرمون ، ومن انعدام الخدمات ، الأمن ، البطالة ، الأمية ، الجوع ، المرض ، التشرد ، التشرذم ، وقتل كل من يحمل نور العلم والمعرفـة ، وتهجيير أهلـه الطيبين ، وبث الفرقـة والخلاف ، وزرع الطائفيـّـة والحقد والتناحر.
هاهو شعبي العظيم الرافض للظلم والخنوع يهـِبّ ليحطم كراسي الجبابرة الفاسدين ، يـهِب ليرميهم في مزبلة التأريخ ، ستلاحقهم لعنة الجياع واليتامى والمظلومين أَبد الدهر.
فجأة دوى انفجار مروع وسط الجموع الغاضبة ، لأجد نفسي أرتعش ذعراً لأقفز من سرير نـومي ، وسط غرفة نومي… واأسفاه !! لقد كان حلما نعم حلم لذيذ
ولكن ماهذا الصوت المدوي واين انا منه ؟ فهذا سريري.. وهذه جدران غرفتي ، نعم غرفتي في ستوكهولم .
تمالكت نفسي لأجمع شتات افكاري المبعثره !! ماهذا الصوت ؟ إنه خارج شقـتـّـي … في الشارع !! سحبت قدمي العاجزتين عن حملي ، لأطل من الشباك استطلع حقيقة مـايـجـري آه … انهم العمال يعملون بهمة ونشاط ، لاعادة ترتيب الحديقة الصغيرة التي تخص العمارتين الواقعتين على ناصية الطريق .
لم يكن هناك ملاعب مخصصة لأطفال سكنة العمارتين ، كما هو ماألوف في هذا البلد ، لصغر مساحـة الحديقة ، حيث يجب ان يكون هناك حصة للأطفال في كل مجمع سكني مهما بلغت مساحته ، وبعد دراسة من قبل المختصين وجدوا الحل ، وذلك باعادة تخطيط المكان ، فشرعوا في تنفيذه خلال فصل الصيف ليكون جاهزا قبل هطول الثلوج
اليوم اطلَّ مرة اخرى من نافذتي الصغيرة ، لقد اكتمل العمل.. هناك جنـاح مخصص للأطفال ، تتربع فيها بعض الألعاب الجميلة ، وفي الجهة الأخرى مصطبات ، وطاولة لمن يحب الجلوس ليتمتع بالشمس … ذلك الضيف الخفيف العزيز ، اما الزاويه الصغيرة المنعزلة فقد تصدرتها ارجوحة تستقبل الكبار، نعم ارجوحة سرقت الدموع من عيني بعد ان اعادتني الى زمن يكاد ان يكون قد مضى دهرا عليه اعادتني الى حديقة منزلي في عراقي ، الذي لم يزل يسكن جوارحي ، تلك الحديقة التي تتوسطها ارجوحة جميلة تحيط بها ورود القرنفل ، والرازقي التي لي معها ذكريات … وذكـريات .
آه ٍ يابلدي الجريح … كم ويلات ومصائب مرت بك ، وكم تحمّـل ابناؤك من جور ومن بؤس وشـقـاء وعذاب
للاّه درّك سـيـدي !!! ياعراقي المذبوح.