كم كان بودي أن ما سأكتبه عن عنوان المقال هو في عراق ما بعد 2003!، ولكن ليس في اليد حيلة كما يقال بعد أن صار ومع الأسف الفساد عنوانا كبيرا لبلادنا، وطال وزارات ووزراء ومسؤولين كبار يتحدث الشارع العراقي عنهم ويغمز لهم الأعلام والفضائيات من بعيد لبعيد خوفا منهم!. قيل في الأمثال الدارجة ( لو خليت قلبت)، حيث لا بد أن تجد هنا في هذا الركن أو هناك في تلك الزاوية عن بقايا عدل ونزاهة، ولكن ومع الأسف فحتى هذه (لو خليت قلبت) لم أجد فيها ما يبقي لدي ولو على بصيص من أمل بسيط، لأني وجدت غالبيتها قد خليت وأنقلبت وضاعت والقلة القليلة الباقية منها هي آيلة للسقوط وفي طريقها للأنقلاب!. أكتب والألم يعتصر قلبي بعد أن أستشرى الفساد في عموم مفاصل البلاد وأستقوى بكل خبث وصار كمرض عضال لا مفر من نهايته المحتومة ألا ما رحم ربي!. فالكل يعلم أن خطر الفساد هو أكبر وأكثر بكثير من غيمة الأرهاب السوداء التي أجتاحت العراق منذ الأحتلال الأمريكي له عام 2003 ، ولا زالت بقايا هذه الغيمة المرعبة تفرغ ما في داخلها من حقد وكره ولئم على العراق هنا وهناك بين الحين والآخر. كما وصار العجب يأخذنا عندما نسمع عن حادثة أو موقف بسيط جرى ووقع لمسؤول في أحدى دول الغرب، يكشف عن مدى نزاهة ذلك المسؤول ونظافته، بسبب ما نراه ونسمع عنه عن دلال وزرائنا ومسؤولينا وحياة البذخ التي يعيشونها على حساب فقر وجوع وحاجة الغالبية من المواطنين!. ندخل الى صلب الموضوع وعنوان المقال: فقبل سنوات أنقلبت الدنيا ولم تقعد في بلد الكفر والفسق (الدانمارك)!، بعد أن عرفت الصحافة بأن وزير الداخلية الدانماركي (لارس غاسموسين)، قد تجاوز على المال العام!، وأعتبرت تلك فضيحة كبيرة ومخجلة لم يسمع عنها الدانماركيون من قبل!. أما ماهو موضوع التجاوز على المال العام، وكم هو المبلغ، فهذا هو المثير للعجب!؟. قصة التجاوز على المال العام! تقول: بأن وزير الداخلية المذكور وفي موقف أضطراري، كان قد أشترى علبة سكاير ودفع أجرة التاكسي ليس من جيبه وماله الخاص، ولكن دفعه من من النثرية المالية المخصصة للوزارة!. نعم أن شراء علبة السيكاير ودفع أجرة التاكسي من المال العام في الدانمارك وفي كل بلد يحترم القانون، يعتبر تجاوز وسرقة تلحق العيب بمن أقدم عليها!، رغم أن الوزير أعتذر بدل المرة ألف كما يقال وشرح الأسباب المقنعة والضرورات التي أباحة المحضورات! وأعاد المبلغ، ألا أن ذلك لم يشفع له فأقيل من منصبه!. وأعتبرت تلك الحادثة التي وقعت عام 2008 هي فضيحة العام في الدانمارك!، وبسببها تراجعت الدانمارك في تقرير منظمة الشفافية الدولية للنزاهة لتحصل على درجة 9 من مجموع 10 درجات!، هي كل مقياس المنظمة. حيث أعتبر ذلك عيبا كبيرا ولحق العار والشنار في الدانمارك بسبب ذلك! لأنها تعودت أن تحصل على درجة كاملة في سلم النزاهة بتقرير المنظمة أعلاه. ويذكر الأديب والمفكر اللبناني (مارون عبود) في كتابه (حبر على ورق) ، أن هناك أيات كتبت على تاج (كسرى أنو شروان) ملك الفرس سميت بأيات التاج، (الأية الأمامية تقول: العدل يدوم وأن دام عمًر، والأية الخلفية تقول: الظلم لا يدوم وأن دام دمًر، فحسب الملك العادل أنه لا يحتاج الى جنود تحميه وينام ملء عينه). ويذكر الأديب (مارون عبود) في كتابه أيضا: أنه وفي أحدى رحلات الصيد للملك (كسرى) وبعد أن فرغوا من الصيد وجاء وقت الغذاء فلم يجدوا ملحا للطعام، فطلب (كسرى) من أحد الخدم أن يأتي بذلك من أحدى القرى القريبة شريطة أن يعطي ثمنه حتى لا يحيق الخراب بتلك القرية!. عندها سأله أحد وزرائه المرافقين له في رحلة الصيد مستفهما وبتعجب، أبحفنة ملح تؤخذ بلا ثمن تخرب القرية ويحيق بأهلها الهلاك والفساد؟ فقال له كسرى: نعم هكذا بدأ الظلم في الدنيا، يبدأ قليلا جدا ثم يتمادى الحاكم فيه حتى يبلغ الحد الذي نراه!. ويحكي الأديب (مارون عبود) في كتابه أيضا : كيف أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رض) تأخر بأن يأتي على أبنه عبد الله في المنام ألا بعد مرور أثني عشر عاما على وفاته!، في حين أنه قال لأبنه عبد الله بأنه سيأتيه في المنام بعد ثلاثة أيام من وفاته!. وشرح الخليفة عمر (رض) لأبنه عبد الله أن سبب تأخره، هو أن الله عز وعلا كان يحاسبني كل تلك المدة على عنزة! كسرت ساقها بعدما مرت على جسر تهدم أثناء فتح العراق ولم يتم أصلاحه!.أخيرا نضع هذه الصور والمواقف والحكايات أمام كافة مسؤولينا على أختلاف درجاتهم ومناصبهم وأماكنهم وبلا أية تعليق!، ونجعل الله حكما بيننا وبينكم.