23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

أي مشروع انساني وخدمي هادف بـ 1000 دينار ..!!

أي مشروع انساني وخدمي هادف بـ 1000 دينار ..!!

وانت تسير فوق أي رصيف من أرصفة العراق المغبرة تقريبا والتي يعتاش من عمليات قلعها ورصفها دوريا مقاولون ومقاولات،ستلمح لامحالة بسطية تعلوها لافتة صغيرة مكتوب عليها”أي حاجة بألف” يبيع بضاعتها الصينية – الستوك – المستوردة بالعادة عراقي شبه عاطل عن العمل يكدح ليل نهار بالممكن لكسب الرزق الحلال تركض خلفه أمانة العاصمة تارة،والمفارز المكلفة بفرض حظر التجوال تارة أخرى، يطرد المسكين من هذا المكان من قبل اصحاب المحال التي يقف امامها مرغما مرة ، ومن ذاك المكان لنفس الاسباب مرة أخرى ،وبين جري وعرق وكدح وشظف عيش وطرد وملاحقة متواصلة لاتطاول الا الكادحين والمسحوقين والعاطلين أمثاله في بلد الفقراء وكلهم يمشي على ارض من الذهب،تظل حاجاته التي يبيعها على الرصيف أسوة بالضمائر النائمة والادمغة المتحجرة بـ 1000!
هذه اللافتة التي أراها كل يوم الهمتني فكرة سبق أن تبنتها شعوب فنهضت من بين الركام وما مشروع القرش الذي اطلقه في الربع الاول من القرن العشرين شاب مصري اسمه احمد حسين، كذلك مشروع الجنيه ، اضافة الى مشروع “مفحص قطاة “الاماراتي منا ببعيد ، وخلاصة الفكرة او المقترح ، سمه ما شئت فلم تعد الاسماء والعناوين مهمة بقدر الافعال والمضامين ،هو ان يتبرع كل شخص من بين مليون عراقي بـ 1000 دينار فقط لاغير ليكون الناتج الاجمالي مليار دينار بظرف ايام معدودة على ان يتولى المهمة شخص مؤتمن نزيه شريف عراقي الجنسية لا ولاءات خارجية له ابدا ومطلقا فهذا النوع من البشر المزدوج من شأنه أن يفسد كل شيء جميل ولم ولن يصلح ابدا ،أو تتبناه أية جهة وطنية نزيهة ومخلصة لاتشوب سمعتها ولاسيرتها شائبة ، لتقوم ببناء مستشفى مجاني …مدرسة …مصنع انتاجي متوسط من شأنه تشغيل العاطلين ودعم السوق المحلية بما تحتاجه والحفاظ على العملة الصعبة …بناء مستوصف مجاني بكامل مواصفاته وتجهيزاته ،دار للايتام ، دار للمسنين ،دار لايواء المشردين ،مركز لعلاج وتأهيل المعاقين ،مستشفى متنقل لعلاج المصابين بكورونا ، او اي مشروع انساني خدمي نافع وهادف ،تحت شعار “اي مشروع خدمي بـ 1000 دينار “، أعلم أن بعضهم يضحك على المقترح وصاحبه حاليا وبعضهم يسخر منهما الان ،وبعضهم قد ادار ظهره ممتعظا ليكمل السهرة مع احد افلام نيتفليكس، وبعضهم يحدث صديقه “لك هذا شكد بطران ههههه!” وبعضهم ” قد اسمعت لو ناديت حيا ” وهي أحط عبارة سمعتها في حياتي يوما لا تقال الا في الامم المهزومة والمأزومة حيث يكثر التخذيل بوجه الصالحين والمصلحين ، مقابل كثرة التهليل والتطبيل للفساد والفاسدين ، وآخر ” لك هذا وين عايش خخخخخ ؟!” اعلم ذلك يقينا ولكن ومهما يكن من امر فلايهم ذلك بتاتا اذ أن الضحك الساخر= ان مفعول العصف الذهني والصدمة بدأت تؤتي اكلها ، وذلك كله لايمنع من الاستمرار بالنفخ في القرب والاذان المثقوبة مع مواصلة الطرق على الصفيح الساخن لعل كثرة النفخ والطرق يفك اللحيم والاقفال ويزيل بعض الصدأ الذي ران على بعض الضمائر قبل القلوب !
وانوه الى أن مشروع القرش كان قد اطلقه مصرى اسمه أحمد حسين ،عام 1931،تمثلت فكرته بتبرع كل مواطن بقرش لانشاء مصنع وطني لصناعة “الطرابيش”، وذلك بدلا من استيرادها من الخارج فتم جمع المبلغ المطلوب وتأسيس المصنع عام 1933 وتشغيل العاطلين وتوفير العملة الصعبة واحياء الصناعة الوطنية ، ورب قائل يقول ولكن بعض الجهات الرسمية ستنزعج من هكذا مشروع شعبوي من دون موافقتها او اشرافها على الاقل ، واقول “في حال تحول المقترح الى مشروع وطني وانساني ولاقى اهتمام وسائل الاعلام والنشطاء فلن يعترض سبيله احد،صدقني وانا مؤمن جدا بقوة “المقترحات الرحمانية الانسانية الراحمة” فهذه لها مفعول عجيب بإمكانه تليين الحجر واذابة الحديد وليس هناك على وجه الارض من بإمكانه مقاومة سيل الرحمة والانسانية الحقة اذا ما هبت نسائمها على مكان ما !
مناسبة كل ما ذكرته آنفا ودافعه ومحركه هو ما قرأته عن الطفلة العراقية لافين إبراهيم جبار،وعمرها 19 شهراً والتي اصيبت بمرض ضمور العضلات الشوكي وتكلفة علاج مرضها النادر وببساطة صادمة الى حد الوجع والاحباط = 2.1 مليون دولار عن طريق عقار طبي اسمه (AVXS-101) Zolgensma، وهو أغلى عقار طبي في العالم حتى الان ،هذا العقار عبارة عن حقنة واحدة – واحدة فحسب- تعطى في الوريد لمدة ساعة فقط لاغير ، ولاوجود له في عموم الوطن العربي سوى في مستشفى (الجليلة الاماراتي) وقد تكفلت الامارات ممثلة بشخص حاكم دبي بعلاج الطفلة العراقية في عملية هي الثالثة من نوعها حتى الان هناك !
وانا اقرأ تفاصيل هذا الخبر الصادم والمحزن بكل حيثياته” طفلة عراقية مصابة بمرض نادر لاعلاج لها الا بمستشفى عربي واحد وبعقار هو الاغلى في العالم سعره يعادل قيمة منزلين كبيرين في أرقى أحياء العاصمة بغداد ، سبق أن خطف المرض أرواح الاف الاطفال قبل لافين الجميلة هذه يستدعي الكثير من الصور والذكريات واذكر منها على وجه التحديد مأساة الطفلة مريم والتي سبق لي ان كتبت عنها مقالا بعنوان ” من قتل عذراء العراق مريم ؟!” وخلاصة قصتها انها كانت تعاني من هذا المرض – تصلب العضلات الشوكي – وهي بعمر 13 عاما ولا علاج له اطلاقا – كل التفاصيل كانت بداية عام 2004 – حتى ان تقريرها الطبي الذي اطلعت عليه يومها يقول ” لاعلاج للطفلة في كل انحاء العالم !” وقد انزعجت من تلكم العبارة ايما انزعاج ، وكل ما كانت تتمناه وبعد أن ساءت حالتها الصحية هو كرسي متحرك مخصص لمرضى الشلل الرباعي لم يكن اهلها ولا جيرانها ولا ابناء منطقتها الشعبية الفقيرة قادرين على شرائه ولم يكونوا يمتلكون ثمنه – 400—-$—- – آنذاك ولما يزل غبار الاحتلال الاميركي الغاشم الذي اعقب حصارا ظالما استمر 13 عاما يلوح في الافاق ويغطي الاجواء ويزيدها قتامة حيث كل المصانع محوسمة ..كل المصالح معطلة …جل المصارف مسروقة .. جل الوزرات منهوبة ..جل المتاحف مسلوبة .. جل الوظائف متوقفة وبعد ان جمعنا المبلغ المطلوب لشراء ليس العقار ولا العلاج ولا اللقاح ولا المصل ولا الدواء ..لالالالا ..وانما شراء الكرسي لتجلس الطفلة عليه فتشعر ببعض انسانيتها التي سلبها الفسقة والبخلاء والسراق والسوقة والاذناب والذيول- كلهم ولا استثني – ولو في اواخر حياتها ولما انتهى الجمع بماجاد وتبرع به الجمع وتم شراء الكرسي ماتت مريم ولما تجلس دقيقة واحدة على كرسيها الذي ظل فارغا يرثي حطاما عراقيا كما الوطن لم يجلس عليه يوما ،وهكذا مضت 18 عجافا ولما يزل الكرسي المتحرك يتنقل من مريم الى اخرى كلهن يعانين البؤس والفاقة والمرض، تموت واحدة فيوارى جثمانها الثرى ليورث كرسيها الى أخرى على حافة الهاوية، في ظل أسوأ حقبة عرفها تأريخ العراق والعالم كله ، يومها تساءلت وما زلت ، ” ترى من قتل عذراء العراق مريم ؟ ” ، الجواب المؤكد هو ان كل من سرق المستشفيات الحكومية وباعها على الارصفة فقد قتل مريم ..كل من سرق الدواء وسربه الى السوق السوداء فقد قتل مريم ..كل من حاصر العراق قتل مريم ..كل من نهب العراق قتل مريم ..كل من عبث بخيرات العراق قتل مريم ..كل من بنى قصورا فيما الشعب يتضور جوعا ويموت حصارا فقد قتل مريم ..كل ظالم وطاغية ومتجبر مر على العراق ولو طيفا ولو حلما فقد اسهم بقتل مريم …كل من يحتكر الغذاء والدواء قتل مريم ..كل من انشغل بشراء ترسانات من الاسلحة على حساب بناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات وبناء الجسور والطرقات فقد قتل مريم ..كل من وهب النفط وما لايملك لمن لايستحق والى الشركات الاحتكارية العالمية بجولة – الجعاميص – فقد قتل مريم ..كل من نصب فاسدا ومفسدا وامعة ورويبضة في منصب لايستحقه بتاتا فقد قتل مريم …كل من اختلس وارتشى وعبث بالمال العام والخاص فقد قتل مريم ..كل من تملق فاسدا ومفسدا ورقص كالقرد بين يديه غير مجبر و لامضطر فقد قتل مريم …علما ان مريم ولافين وجنات ومروان وغيرهم المئات من فلذات الاكباد ، ليس واحدهم واحدا فحسب ..لا ..وانما بضعة ملايين على شاكلتهم كلهم بإنتظار نهاياتهم المأساوية المحزنة تباعا في حلقة من البؤس المفرغة يسيطرعليها من لايرقبون في الانسانية ولا في المسلمين ولا المؤمنين ولا في القيم والمثل الا ولا ذمة ، وما يزال البخلاء والدخلاء والخبثاء ومانعي الزكاة والصدقة يظنون ان للكفن جيوبا وان الشح والانانية والفردانية وليس الكرم والجود والسخاء والعطاء ، سترا لكل عيب خابوا وخسئوا في الدنيا قبل الاخرة !
وبالعودة الى “اي مشروع انساني هادف بـ 1000 دينار ” أختم بأن الأمم الحية بإمكانها ان تصنع المستحيل بالقليل، فيما الامم النائمة ليس بوسعها بناء أقل القليل بأكثر الكثير ولكم الخيار بين النهوض من بين الدمار ،أو البقاء في حالة انتظار ستطول كثيرا ولاشك من دون أن نحرك ساكنا قط ومن دون أن يأتينا الفرج يوما هكذا ليشق الغبار طواعية للتنابل والكسالى الرافضين لتغيير انفسهم والمصرين على البقاء على حالهم لابمركبة ولابسفينة ولا بطائرة أو قطار ..اودعناكم اغاتي.