إنه مجرد سؤال واحد يتيم ، يطرح نفسه بين الحين والآخر :
” أيّ مُستقبل يَنتظره المسيحيون المشرقيون في موطنهم الأصلي سوريا التاريخية ؟ “
فكلما حدث إهتزاز في مشرقنا ، كلما برز هذا السؤال بقوة أكثر ، حتى أصبح الحاجز اليومي ، ليس لدى المسيحيين المشرقيين فحسب ، إنما حتى لدى المنظمات والأمم والهيئات المهتمة بمصيرومستقبل المشرق المسيحي ، وحضارته العريقة بعد تنامي وإنتشار الفكر التكفيري السلفي الإسلامي في المنطقة.
فلو راجعنا صفحات تاريخ مشرقنا خلال الأربع عشرة قرنا الماضية ، لرأينا دماء المسيحيين قد تلطّخت على كل صفحة من صفحاته السوداء ، ولن نجد صفحة ناصعة واحدة من هذا التاريخ عليها مساحة مُشّرفة ممكن من خلالها أن نحكم يوجد بصيص امل لمستقبل افضل للمسيحيين ابناء سوريا والعراق المسيحيين.
منذ الغزوالإسلامي العربي المشؤوم لسوريا ، والذي يسميه الغزاة ” بالفتوحات ” قبل 1400 سنة وحتى الساعة ، فإن المسيحيين السوريين وحضارتهم وثقافتهم أخذت في تقهقر وتراجع بشكل مذهل بشريا ووطنيا وإقتصاديا وإجتماعيا أمام موجات الغزاة المتعطشة للدماء ، فبين كل غزوة وأخرى كانت تُقترف جرائم ومذابح لا حصر لها بحق المسيحيين ، كانت تُدمر مدنهم وكنائسهم وأديرتهم وقراهم ، وتحرق مزارعم ، وتُسحق معالمهم الأثرية ويُقتل رجالهم وتُسبى نسائهم… ففي كل مكان وطئته حوافر الغزاة من أرض سوريا ، تحول ذلك المكان الى الارض المحروقة الجرداء، حتى أصبح وضع الشعوب الأصيلة وصاحبة الأرض في تقلص وإنتقاص ، بينما القبائل الغازية باتت في توسع وإزدياد ، ولم يمر وقت طويل حتى أصبح الشعب السوري الذي كانت نسبة المسيحيين منه اكثر من 90% قبل الغزو الإسلامي العربي ، أصبح اليوم أقلية مهمشة مبعثرة مشتتة لا تزيد نسبته عن الخمسة بالمائة إن لم تكن اقل بكثير.. وإن نسبتهم تتسارع بإتجاه نقطة الصفر والإنقراض من الوطن كليا .
هذا السؤال يراودي دائما ، كلما إهتز مشرقنا نتيجة حروب وإعتداءات ذات طابع ديني طائفي عشائري مذهبي مناطقي … لأن الضحية في كل تلك النزاعات كان دائما هم المسيحيون ، وهم كانوالخاسر الوحيد الذي يخرج من كل تلك الحروب والصراعات .
> هذا السؤال وراودني إبّان إهتزاز لبنان تحت وطأة مايُسمى ” بالحرب الأهلية اللبنانية ” عام 1975 . وما جرى لمسيحيي لبنان من قتل وتشريد حتى إنخفضت نسبتهم الى نصف ما كانت عليه قبل الحرب .
> وراودني هذا السؤال أيضا عندما قامت مايُسمى ( بالثورة الإسلامية الإيرانية ) في إيران وأطاحوا بالملك شاه عام 1979، وتشرد على اثره معظم مسيحيي أيران .
> راودني هذا السؤال عندما أعلن عراق البعث ” الصدامي ” ، الحرب على إيران الإسلامي ” الخميني ” عام 1980 – 1988 حيثُ في هذه الحرب ذهب اكثر من خمسون الف شهيد فقط من المسيحيين العراقيين عدى الأسرى والمخطوفون والمشردون.
> راودني هذا السؤال عندما بدأ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 فإعتبروها المسلمون إنها حرب صليبية امريكية على العراق ، فدفع ثمنها مسيحيي العراق بالدرجة الأولى.
> راودني هذا السؤال عندما إختطفوا المطران بولص فرج رحو عام 2008 وإغتالوه .
> راودني هذا السؤال عندما فجروا كنيسة النجاة في بغداد عام 2010 وقتلوا وجرحوا معظم المصلين في الكنيسة مع كاهنهم واطفالهم.
> راودني هذا السؤال عندما هجر مسلحي الدولة الإسلامية جميع مسيحي الموصل وقرى وقصبات سهل نينوى وأستولواعلى ممتلكاتهم ودمروا كنائسهم واديرتهم ..
> راودني هذا السؤال عندما إستغلوا الأكراد الفوضى في العراق وبدؤا بتكريد بلدات ومناطق وقرى المسيحيين في شمال العراق .
> راودني هذا السؤال عندما سحب النظام السوري كل القوى الأمنية من ناحية وقرى تل تمر لتُباح جميع قرى الخابور المسيحية من قبل الميليشيات المسلحة الكردية من طرف ، وميليشيات الدولة الإسلامية من طرف آخر ، وكان نتيجتها أن تدمّرتْ معظم الكنائس والمرافق الحيوية في هذه القرى وتهجّر اهلها وأسّر اكثر من مائتين وخمسون من ابنائهم .
> راودني هذا السؤال عندما أستباحت عصابات جبهة النصرة بلدة معلولا المسيحية ودنّستْ أديرتها وكنائسها وسلبت وحرقت كل المعالم المسيحية في البلدة التاريخية العريقة ، فقتلوا وأسروا ابنائها المسالمين.
> راودني هذا السؤال بتفجيرات القامشلي والإعتداءات المتكررة على الأحياء المسيحية في المدينة …
> راودني هذا السؤال عندما تم خطف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم بالقرب من حلب ، ولا احد يعرف مصيرهم حتى الساعة .
والامثلة كثيرة لا نهاية لهاعلى تطاول وإعتداءات المسلمين وتحت تسميات عديدة ومختلفة ، على ابناء وطنهم المسيحيين .. حيث في كل يوم نسمع بعمليات الخطف أو الإغتصاب إو القتل لأحد المسيحيين على أيد عصابات إسلامية مسلحة .
فأي مستقبل ياترى ينتظره المسيحيون في مشرقنا ؟؟ فهل سيبقى المسيحيون أسرى مبادئهم القومية والوطنية والإنسانية ..والتي لم تعد اليوم تفيد ، لا القومية ولا الوطنية ، ولا الإنسانية، في ظل الإعتداءات المتكررة التي يقوم بها المسلمون ضد الغير مسلمون…؟؟
فماذا ينفع الإنسان إذا خسر نفسه وربح العالم كله . فماذا ينفع المبدأ الذي لا يخدم مصلحة الإنسان. وماذا ينفع الدين الذي يهين الإنسان ويحتقره ويزدريه؟
فلستُ ادري لماذا كل هذا العناد الوطني عند المسيحيين في سوريا والعراق معا ، والإصرارعلى الإنتحار القومي بالبقاء في أرض كلها تحترق وتتدمرعلى أيدي من إئتمناهم يوما ما ووثقنا بهم ، لكنه للاسف لا يقدرون قيمة الإنسان ولا قيمة الوطن ، فمادام ليس هناك اي امل أو بصيص نور بأن تلك النار المشتعلة في أوطاننا بصور مختلفة لاكثر من 1400 سنة ، ستُخمد وستقف ألية الدمار والقتل والتشريد … فما دام الدين الإسلامي هو مُشرع دساتير وقوانين أوطاننا ، وهو الحاكم والآمر والناهي في اوطاننا ، وما دامت حكوماتنا ومعارضاتنا لا يمثلان إلا وجهين مختلفين لعملة فاسدة واحدة .. فأي أمل ننتظره لمستقبل أمتنا ؟؟
فمادام المسلم لا يؤمن بالوطن ولا بالعيش المشترك بين مختلف الأديان ، ويلغي الآخر المخالف ، فلا أمل على المدى القصير بمستقبل آمن للمسيحيين في سوريا .
فلأكثر من 1400 سنة والمسيحيون يعانون نفس المعاناة في سوريا التاريخية حتى الساعة ، تغيرت الظروف والأزمنة ، ولكن لم يتغير السيف المنصوب على رقاب المسيحيين ، ولا تغيرت الأية التي تفتي بقتل كل من لا يؤمن بدين محمد ورسالته وبقيت المعاناة نفسسها أربعة عشر قرنا ، تأتي من قبل نفس المجموعات ، ومن أبناء نفس الديانة ، وبنفس السيف ، وتحت نفس الشعارات ( الله اكبر ) ، ونفس الفكرالتكفيري ، فكانت بنتيجتها إن المسيحيين المسالمين خسروا الملايين والآلاف والمئات من أبنائهم خلال المذابح الدينية التي كانت تُقترف بحقهم في
أوطانهم ، وفي نهاية كل مذبحة كنا نتوقع اوعلى الأقل كنا نأمل ان تكون الأخيرة ، وأن تُفتح صفحة جديدة ، وتطوى الصفحة القديمة ، ولكن كلما إنتهت مذبحة … تلتها مذبحة أخرى اكبر وأسوأ من الأولى ، بحيثُ إن الذي نجا من المذبحة الأولى ، بات أبناءه واحفاده الضحية في المذبحة الثانية . يكفي ان نُذَكِّرْ إنه في مذابح سيفو خسرنا أكثر من ثلثي مسيحيي السريان الآشوريين ،عدا ماخسره مسيحيي الأرمن واليونان واليزيديين والصابئة … وقبلها كانت مذابح حيكاري وأورميا ، وبعدها مذبحة سيميلىي .. وكانت نتيجتها إننا نحن المسيحيين خسرنا أكثر من نصف من مَنْ نجا من المذابح الأولى . .. ولم يبقى في الأرض التي كانت حتى الأمس القريب مزدهرة بالمسيحيين ، من حارات وقرى ومدن ومناطق … في مشرقنا قبل عشرون سنة ، أصبح عدد المسيحيين في تلك الحارات والقرى والمدن مجرد ارقام معدودة ، وذكريات ماضية ليس اكثر . ولأن نسبة المسيحيين باتت ضئيلة وتقترب من نقطة الإنقراض من مشرقنا ، أليس الأجدر بكل المسيحيين المشرقيين ، بكل مسمياتهم ، في الوطن والمنفى معا ، أن يفكروا جديا بمستقبل الإنسان المسيحيي المشرقي بعيدا عن العواطف والطوباوبيات والخطابات النارية والشعارات الثورية ؟؟ ، وقبل ان يفكروا بالأرض والحجر وبالوطن والشجر، لأن ضياع الإنسان لن يعوض ، إنما الأرض والوطن والحجر والشجر باقية الى الإبد رغم كل عمليات التحريف الجارية بحقها من تعريب وتكريد وتتريك … فيبقى ذلك تحريف لحين مادام صاحب الحق حيّ يُرزق ، ولا بد أن يأتي يوما ويكشف صاحب الحق الحقيقة ، أما إذا إنتهى الإنسان ، صاحب الحق ، عندها يكون قد إنتهى كل شيء ، وعندها فلا نفع لا للوطن ولا للأرض ولا للحجر والشجر … فأين اصبح طور عبدين ” على سبيل المثال ” .. وأين اصبحت تخوما وتياري ومنطقة حيكاري … اين اصبحت أورميا …هذا قبل مائة سنة . واليوم يعيد التاريخ نفسه لنقول ، اين أصبح سهل نينوى .. أين أصبحت قرى الخابور ، اين أصبحت الحسكة والقامشلي والمالكية .. وقبلها أين اصبحت الدرباسية والعامودا…
فهل فكرنا نحن ، سواء كنا في المهجر أو في الوطن ، عن طرق ووسائل وخطط .. في كيفية إنقاذ هذا الإنسان المسيحي المشرقي من عمليات الإبادة العرقية الجارية بحقه في الوطن، بعيدا عن المبادئ الطوباوية التي لم تعد تنفع احد سوى زيادة قافلة شهداء الأمة ؟؟؟
انه مجرد سؤال مطروح على كل المهتمين بالقضايا القومية والوطنية سواء في الوطن ام في المهجر من أبناء شعبنا لأجل المناقشة وايجاد الحلول المناسبة قبل أن يخلى الوطن من أبناءه الأصلاء .