23 ديسمبر، 2024 3:40 ص

أيّ ربّ تعبدون يا مَنْ قتلتم الأبرياء في الفلوجة والكرّادة ؟

أيّ ربّ تعبدون يا مَنْ قتلتم الأبرياء في الفلوجة والكرّادة ؟

أتى العيد وما هو بآتٍ كعادته بالفرحة والتسامح والمصالحة وحيثُ إفتقدناه بهويته المسالمة منذ زمن مضى ، فلقد إستقبلناه بملابس الحداد السوداء بدل الألوان الزاهية التي كانت تزهو على أجساد الأطفال حيثُ مزقتها شظايا الحقد الأسود من حيثُ لا نعلم أصابعه الخفية !! ، نعم ـ ـ جاء العيد الذي إستبدلنا فيه التهاني والأبتسامات بالتعازي والدموع والبكاء ـ ـ ومسلسل الحقد الأعمى مستمر دون توقف ـ ـ فنار الطائفية المستعرة تجد من يزيد سعيرها وجنونها ـ ـ فلا يوجد عاقل واحد بيننا ليقول كفى لنجلس ونتباحث ونضع مصلحة أبنائنا فوق كل خلاف ـ ـ فالنار لا تعرف (العدو) من (الصديق) ـ ـ تحرق الجميع دون إستثناء ـ ـ فلقد عجزنا نحن الكتّاب وكل أبناء الوطن الشرفاء عن المناشدة بوقف العنف من أجل العراق ـ ـ فالعراق لم يعد له وجود في ضمائر وقلوب تجّار السياسة والسائرون في دهاليزها .
بالأمس وفي قلب الشهر الفضيل الذي حرّمت فيه الشرائع القتل ـ ـ قتلنا وشردّنا الأبرياء في الفلوجة وأطعمناهم رصاص الغدر والكراهية بدل موائد الرحمن الرمضانية ـ ـ لم نفرّق بين داعشي مجرم وأسير لديه يتمنى هو وعائلته أن ينجو من قبضته ـ ـ كل جانب يتهم الجانب الآخر بالمجزرة ـ ـ فتحديد هوية القاتل ليس هو الهدف ـ ـ بل الهدف قد تحقق بالإبادة والتشريد الجماعي !! .
واليوم ننهي الشهر الكريم شهر الرحمة والغفران !! بوليمة كبرى قد أعدّت من لحومٍ آدمية طازجة فرشناها على طول شارع الكرّادة وقت السحورـ ـ ولأننا كُرماء فلم نبخل بإشعال النار التي زادت وطغت على نار حاتم الطائي حتى وصلت الى عنان السماء فغطت الأبنية على جانبي الشارع وتغلغلت الى مخادع وأسِرّة الأطفال النائمين ولبّت كلّ متطلبات المدعوّيين ـ ـ فهذا من يريده شواءاً نضراً وذاك من يرغبه قاسياً متفحماً ـ ـ السنا نحن أهل الكرم والجود ؟!! .
وللذي لم يقرأ ولم يسمع فأمريكا التي تحكم العالم اليوم بقدراتها الهائلة لم تكن كذلك قبل أكثر من قرن ونصف من الزمن وحيثُ كانت الحرب الأهلية قد بدأت بين الشمال والجنوب (1865-1861) والتي أتت على الأخضر واليابس وخلّفت ورائها ما يزيد على (600) الف قتيل من الجيش النظامي للطرفين وأضعاف هذا العدد من المدنيين ، وعندما أدرك قادة الطرفين من عدم جدوى تلك الحرب المجنونة بين أبناء البلد الواحد وخاصة بعد معركة “محكمة أبوماتوكس” جلسا القائدين “روبرت لي” ممثلاً للجنوبيين و “يوليسيس جرانت” ممثلاً
للشماليين على الطاولة المستديرة وأنهوا تلك الحرب المجنونة وإنصاع الشعب من الطرفين الذي كان وقود تلك الحرب لقرار وقف الحرب وأتجه لبناء البلد من تحت الصفر بنيّات صادقة ـ ـ وها هي أمريكا بعد مئة وواحد وخمسون عاماً على نهاية الحرب الأهلية تقود العالم ليس بقدراتها العسكرية فقط وإنما بتطورها الصناعي والإجتماعي .
إنّ ما أردتُ قوله من طرح المثل الأمريكي هو إدراك القادة لعدم جدوى الحرب فأنهى أثنان منهم فقط مأساة الملايين من مواطنيهم عندما أدركا بنيّات وطنية صادقة بعدم وجود رابح في الحرب ، فالشعب مسيّر وليس مخيّر يسير وراء قادته ، فالى متى يبقى القادة السياسيين راكبين رؤوسهم والى أي نفق مظلم ونهاية مأساوية نحن سائرون .