23 ديسمبر، 2024 2:43 م

أيوبيات – 4 / محاكمة معمّم – الجلسة الأولى

أيوبيات – 4 / محاكمة معمّم – الجلسة الأولى

القاضي يفتتح الجلسة …
: تنعقد جلسة المحكمة بحضور كافة الأطراف بتاريخ 01/01/2063، هيئة الإدعاء والمتهم وشهود النفي والإثبات، يتفضل المدعي العام بقراءة لائحة الإتهامات
المدعي العام …
: سيدي القاضي، الماثل أمامكم في قفص الاتهام، صاحب العمامة، أُلقي القبض عليه بعد مطاردة طويلة مريرة، دامت أكثر من خمسين عاماً، استنزف بها طاقاتنا، في تخفيه وتحايله، وتنقله من مدينة الى مدينة، حتى أُلقي القبض عليه في سرداب مظلمٍ رطبٍ، كان يهيئ نفسه لحقبة احتيال جديدة، لكن عيون الوعي رصدت تحركاته الزائفة، وابداعات العلم كشفتْ هشاشة خططه، وأنامل الشباب المتعطش للحياة أنهت لعبته.
سيدي القاضي، ألخص لسيادتكم جملة التهم الموجة اليه :
1. تشويه سمعة الرب الجميل
2. سرقة أختام الرب، وتزوير توقعيه المقدس، لاصدار صكوك بلا رصيد، وفتاوى بلا ضمير
3. انتحال صفة ( وكيل الرب على الأرض )، بتزوير وكالة عامة مطلقة وتأجيرها من مرجع الى مرجع
4. سرقة المال العام، المتمثل بنسبة الخُمس من الناتج القومي للأمة، والاستيلاء على الممتلكات الخاصة والعامة
5. اشاعة الخرافة والتفاهة والسطحية في فكر الأمة
6. القتل بالواسطة، عن طريق زج شباب الأمة في أتون حروب دموية، داخلية وخارجية
7. تعطيل مصالح الأمة في مهرجانات جماهيرية مليونية، تحت شعار الدين
8. تعمد الإساءة الى إنسانية الفرد والمجتمع، وتشويه قيمتيهما الراقية بدم بارد
9. الخيانة، متمثلة بالدور الخفي في العلاقات المشبوهة مع الأنظمة الدموية، وترك رعاية الأمة زمن الأزمات
10.  ترسيخ مفاهيم عنصرية في الأمة، كالطبقية والشأنية والنَسبية
سيدي القاضي، القائمة طويلة، وهي بالإجمال لاتقل فتكاً عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد الإنسانية ( Genocide  )، وجرائم استعمال الأسلحة المحرمة، نكتفي بذلك، ونطالب بإنزال أشد العقوبات على المتهم، وبما يوازي هول الضرر والخسائر الكارثية التي تركها، ولا تأخذنّكم به رأفة أو رحمة، فما رأفوا بنا ولا رحمونا، ولا أكتفوا يوماً من سحق إنسانيتنا، شكراً لسعة صدركم
القاضي للمتهم : مارأيك بالتهم الموجهة اليك ؟
المعمّم وهو ينفخ في وجه القاضي هامساً : خيرك بين يديك شرك تحت قدميك، استعين بالله عليك، واحا واحا واحا، كمّون كمّون … يقاطعه القاضي
: جوز من كلاواتك هاي وجاوب، متهم ؟ لو بريء ؟ وخلّي الخرزة تفيدك
برقة يجيب، بدمعة رقراقة، وحاجب مكسور، كأنه عصفور : حرام عليكم، آني صايم، وتعبان من كثر ماصليت ودعيت الكم، أنتم غافلون، أسأل الله لكم التوبة وحسن العاقبة … يقاطعه القاضي مرة أخرى
: لاتمسلت هوايه، شبعنه من هالكلاوات، متهم ؟ لو بريء ؟
مسترخياً هذه المرة مدندناً : كن منصفاً ياسيدي القاضي … ذنبي أنا رجلٌ له ماضي
أحد الحضور يتفاعل مع كلماته : هَلو أبو الحُب، كمّل بروح جدّك
يلتفت اليه المعمم مبتسماً متفاءلاً، وبالفعل يُكمل : كن منصفاً ياسيدي القاضي … ذنبي أنا رجلٌ له ماضي … تلك ( التُهم ) التي أمامك الآنَ … كانت لديَّ أعزّ ( أمانة ) … أحببتها وهي أحبتني … صدقاً جميع الهمّ أنستني … ( أنكحتها ) وقلت مولاتي … كثيرة كانت علاقاتي … قالت … حبيبي دع الماضي و( حبـّلني ) بين ذراعيك و( فخذّني )
شاط المدعي العام غضباً وصرخ نحو القاضي : كن منصفاً ياسيدي القاضي … تخونني لغتي وألفاظي … إن الذي أمامك الآنَ … أشبعني ظلماً وحرمانا … أنا حالة فعلاً لها يرثى … حتى (تصورت ) بأنني ( خنثى )
القاضي يطرق بمطرقته : كافي سرسرية، أشو گلبتوهه روتانا ؟
المتهم : سيادة القاضي، أنا هنا لوحدي، وبدون هيئة دفاع، وهذا يخالف حقوق الإنسان في توفير محاكمة عادلة ومنصفة لي
المدعيّ العام يطلب الإذن : أولاً، رفضَ أيّ محام الدفاع عنكم لخزي قضاياكم، حتى هيئة الدفاع المنتدبة من قبل المحكمة رفضت الدفاع عنكم، أنتم حرمتم الناس من أبسط حقوقهم في العيش، ورفضتم أيّ اعتراضٍ، ولو همساً،  على قرارتكم وتوصياتكم في تحطيمهم، عن أيّ حقوق تتكلم ؟ استعبدتم الناس دهوراً، وحولتموهم الى عبيدٍ وجواري، في باحات قصوركم وبرّانياتكم، يقفون طوابير طويلة، لينالوا متوهمين بركةً، من لحظة اللقاء بين رؤوسهم المطأطأة وأكفكم المقلوبة، استهترتم بالأمة أيّما استهتار، تهوى نحو الحضيض جيلاً بعد جيل، حتى استقرت في قاع الخراب، على مرأى ومسمع منكم، تتلذون بطيب العيش، وفخامة الخدمات، والأمة مطحونة بمآسيها، تعيش الخراب والاغتراب على وهم منابركم، تنتظر فرجاً كاذباً سنين عجاف، تعض على أوجاعها استحياءاً من شكوى محرمة الى ربٍ لئيمٍ صورتموه لهم، مرّت سنون طويلة، والحال هي الحال، لم تأتوا بجديد ينهض بالأمة، اجتررتم نواعيكم الكاذبة، تتقيؤنها علينا من فوق منابر ممسوخة بكرة وأصيلا … طالت المحنة، وعمّ الجهل والظلام، العالمَ ينطلقُ مستمتعاً بقطف ثمار الحياة النقية، وأنتم كما أنتم، تأمرون الأمة بالزهد الموهوم، والرضا بشظف العيش المقسوم، والصبر في سجن الحياة، خلف قضبان محكمة، اتقنتم صناعتها، وأبدعتم في وضعها بين النفوس التواقّة الى الحياة وبين الحياة .. عن أيّ حقوق وأيّ إنسانية تتكلم ؟
القاضي يأمر برفع الجلسة للمداولة، والاستماع الى شهود الإثبات والنفي بعدها
تصبحون على وطن

[email protected]

خاص بكتابات