هنالك اعتقاد سائد بأن حجم الامتداد الجغرافي، والتاريخي، والثقافي، بين بغداد وكوردستان يعكس آثاراً ارتجاعية لكل حدث أو متغير في ساحة أيّ منهما على الآخر، الأمر الذي يجعل من أية محاولة طارئة لاستيعاب مفردات ما ترتب من تطورات على المسار الثنائي لعلاقات الطرفين السياسية عملاً ليس بالسهل فهمه وغالباً ما يقع المتسرعون في فهم القضية ضحية التحليل السطحي، وخلاصاته الضحلة،و تزداد مخاوف هذه الاوضاع المتأزمة بإزدياد رقعة الصراع الدائر حول المطالب الكوردية المشروعة وإنفجار البالونات الملونة على طاولة الحوارات الساخنة بين بغداد و القيادة الكوردية التى ترى ظرورة تنفيذ الإستحقاقات الكوردية جملة و تفصيلا في عاصمة الرشيد إن أمكنهم الايام ذلك.في وقت تدرك هذه القيادات جيداً أن بغداد لا تتفاوض بل تمارس دور المفاوضات بلهجة الصدق الكاذب و التجارب التأريخية برهنت و أثبتت هذه الحقيقة المرة و اخبرتهم أن السلطة المركزية مختصة بشنق الخطاب الكوردي على أبواب بغداد إن لزم الأمر ذلك!! المشكلة عويصة وأمام محك مزمن بحيث عندما يقول الاكراد لبغداد (نحن) عراقيون وجزء اصيل من نسيج هذا البلد لكم مالنا وعليكم ماعلينا أنذاك يتم اتهامهم بالعمالة للاجنبي وانهم غير منتمين (للعراق العظيم) وعند المطالبة بالانفصال يقال لهم لايجب تجزأة العراق (انتم عراقيون ) حتى بات من الصعب على المواطن الكردي التفكير بالاتجاه الذي يضمن به وطنيته وقوميته فأين المفر ؟ وكلما تسلم نظام جديد مقاليد الحكم في العراق ولكي يثبتوا أركان النظام يعملون على ملاطفة الطرف الكوردي و إظهار المرونة و سعة الصدر في تنفيذ مطالبهم و ان الاكراد شعبهم ولا يتجزؤون منهم و العديد من مَوالات (بفتح الميم) المكر السياسي و التي ظهرت تداعياتها فيما بعد… إنها أزمة الثقة المعدمة بين الطرفين في سفينة مثقوبة لا تمتلك السلطات العراقية النية و الجرأة لحلها و وضع حد للتداخلات الدولية خاصة لصراصير دول الجوار حتى لا يستمروا في تدوين هوامشم على مساحات هذه القظية العراقية الصرفة. كردستان ومنذ ما يزيد على نصف قرن باتت مجالا للاستنزاف وحتى وقتنا الراهن. والأكثر صحة اليوم أن نقول أن من يرفضون التجربة الكوردية يرفضون في الحقيقة كل تغيير ولايقبلون بواقع العراق الجديد..لا شك أن هذه المشكلة المزمنة في العراق لا يمكن إرجاعه إلى عوامله المحلية “الوطنية” بمعزل عن مناخه الدولي العام، وواقع ما آلت إليه فلسفة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي بنى لنفسه منهجاً، وصيتاً، وصوتاً سلطويا مذهبيا على حساب بقية مكونات الشعب العراقي. المالكي مع الحدث لكن أسلوب حديثه لايتناسب مع الاحداث فلغة المقابلات والحديث لها فنونها وعلى المتحدثين أن يتكلموا بهدوء وثقة لايتكلموا دون ترتيب للأفكار ونبذ الرموز الوطنية؟ والاخطر من ذلك ان دولة القانون تعيد انتاج مشهد العجز عن تحديد موقعهم على خرائط الازمات المتتالية دون اية استفادة من التجارب لتدلل من جديد على غياب حالة الوعي التراكمي ..ويبدوا ان صناع القرار داخل حكومة المالكي يتقنون فن العيش بين الالغاز السياسية فالحليف عندهم لغز والخصم كذلك وهذه الحالة ليست وليدة اللحظة او المرحلة فهي متأصلة الى الحد الذي يصعب تحديد بداياتها وان طفت ملامحها على مفاصل تاريخية من فصول المؤامرة ضد الحركة التحررية الكوردية واذا كانت هناك قواسم مشتركة بين المفاصل التاريخيية بحيث يصعب استبعاد وخروج اقليم كردستان بـ ” خفي حنين “من الازمة الحالية وهو مجاز جرت العادة على استخدامه في خداع الذات للتنصل من تحمل مسؤولية الخطأ والتقليل من تداعيات الازمة حتى اكتشفت بغداد لكن بعد فوات الاوان أن منطق “الفهلوي” في التعامل مع سلطات كردستان لم يكن مجديا لخياراتهم المعلقة والبحث عن الانتصارات السهلة جعلت من الابرياء رمادا لنياتهم كما حدث في قضية الهاشمي؟ المسألة برمتها لا تتعدى أن تكون جنوحاً نحو التطرف المذهبي والفكري لدولة القانون ومحاولة الغاء الاقليم الكوردي ،إذن تصبح جهود التنسيق الثنائي بين بغداد واربيل ذات ضرورة ملحة في ردع لغةالقوة وتهديد كردستان بطائرات(أف 16) حالة وصولها لبغداد وإنما استباقها بمساعي سلمية، وتطوير الظرف المحلي الداخلي بآليات فكرية وثقافية تعيد للمجتمع العراقي توازنه الطبيعي دون الحاجة إلى “جدار فاصل” يؤدي مهمة “البتر” ضد الإقليم الكردي وبالتالي فإن التخلص من التوجه الشاذ للسيد نوري المالكي يعني تحصيناً للشعبين العربي والكردي كشركاء اساسيين وتحقيقاً لحدود معقولة جداً من كفاية الدور الوطني.. مع هذا فإن المسألة كلها لن تكون ذا أثر بعيد المدى ما لم يتبنَّ الطرف الدولي مسئولياته الاخلاقية والتزاماته تجاه الشعب الكردي وحقه المشروع في تقرير مصيره باعتباره ضحية المؤامرات الدولية كما أكد على ذلك رئيس اقليم كوردستان ( مسعود بارزاني ) في مناسبات عديدة وكف بغداد عن استفزاز هذا الشعب المضطهد وزج حكومة الاقليم بين الحين والاخر في مواقف حرجة كما حدث في قضية الهاشمي وقضايا اخرى هائجة.وبلاشك ان كل درس وكل لحظة سابقة وكل صفحة تاريخية من الماضي لها اعتبارها من الناحية السايكولوجية والاجتماعية والعسكرية وحتى الاقتصادية من منظور تفاعلها مع جملة امور كانت فيما بعد لها أشد التاثيرات الايجابية والسلبية على سياسة الجانبين ومن هنا فان التفسيرمحاولة لكشف الخلل والتبرير يقود الى التعايش مع افرازات الكوارث. فلم تزل ذهنية المالكي مشدودة نحو نمطية الفهم حين يتعلق الامر بمصير حكومة كردستان خاصة في هذا الظرف الحساس من تأريخنا وابرز ملامح هذه النمطية تتلخص من خلال تداول مفاهيم سياسية مشكوكة في صحتها والشروع في تفكيك آليات صنع القرار في كوردستان كما طالبت بغداد بذلك مرات عديدة. وتبرير التحايل على الذات لتسويغ استمرار الترنح في عالم متغير.. اما التوجه الاعلامي لحكومة المالكي جعل المتابعين يعتبرون اعلامه وكانها حركة (رجل واحد) يحمل بوقا اعلاميا ضخما ؟؟. وطربوشا (لغريزة الانتقام السياسي) ضد الطرف الكردي ..ان القيادات الحقيقية التي يعرفها الناس ويلتحمون معهم عليهم أن لا يكتفوا بتوجيه الناس عبر البيانات والخطابات الحماسية الواقع أن حكومة المالكي حتى الآن منقسمة على نفسها ومتصارعة مع بعضها البعض كصراع تناقض العوارض .وفي كل الأحوال لم ينجح السيد المالكي في تقديم رموز مقنعة للجماهير العراقية لكي يلتفوا حوله في مطالباتهم بتحسين اوضاع الشعب العراقي المنكوب ومن ناحية أخرى كما أن العدالة ليست عمياء ومطلقة دائما كذلك لاتخلو آداء السلطات في كردستان من عيوب وقصور في العمل الاداري وحسن التدبير ولم ينكروا ذلك فقد دعى رئيس اقليم كردستان وفي مناسبات عديدة الى ظرورة تنفيذ واتباع اصلاحات عديدة في كردستان والقضاء على كل اشكال الفساد الاداري ومحاربة بؤر الفساد جملة وتفصيلا وان يكون الجميع تحت سلطة القانون وتحت شعار (الحق يعلو ولايعلى عليه) وقد شجعت ظروف الاحداث الأخيرة كل ألوان الطيف السياسي في كردستان على الحديث بجرأة غير معهودة عن التغيير وأن غالبية التيارات أجمعت على ظرورة التغيير والاصلاح مع خلافهم على بعض التفاصيل. واخيرا نقول : ان مصير الشعب الكوردي في المرحلة المقبلة سيكون رهينا بالتغير الذي يطرأ على مقدرات القوة في المنطقة .
[email protected]