المتقاعدون ، هم ممن لا يزالون يعيلون أبنائهم وعوائلهم حتى لو كانوا موظفين ، لأن رواتب هؤلاء الابناء مضحكة مبكية ، وعادة لا قِبَل للمتقاعد أن يصرف (الدفاتر) رشوة أصبحت بحكم الرسمية لتعيين ابنه في وزارة (بيها خبزة) ، حتى لو إنضم إلى جيوش البطالة المقنّعة والتي تؤلف فائضا في تلك الوزارات يصل إلى 85% !.
المتقاعد لا بد أن يكون كبير السن ، يعاني من شتى الأمراض المزمنة التي (غرسها) الوطن فيه أثناء خدمته ، فالشريف كالذي يحمل جمرة من نار لا يستطيع رميها ففيها شرفه ومبادئه، لهذا عليه أن يتحمّل حريقها ، مع أجور الأطباء والتحاليل التي ترقى إلى الجريمة ، تجده وقد أهمل ما تبقى من أسنانه ، لأن أجور ترميم الأسنان ، قد تكلفه لتقاعد قد يصل لسنة !! ، أو غرامة مرورية بسبب تجاوزه الإشارة الحمراء قد تكلفه راتبه التقاعدي بأكمله ، لأن في رأسه مائة مشكلة ومشكلة ، والقانون لا يرحم ، أسوة بواضعيه !.
الغالبية العظمى من المتقاعدين ، في أعناقهم سلف من المصارف ، وجميعها قروض ربوية وقعوا في فخاخها بسبب الحاجة الملحّة للمال ، تستهلك أقساطها نصف تقاعده الشهري أو أكثر.
ولا تختلف قضية تقاعد الجيش السابق عن معاناة زملائهم من المدنيين ، فبعد أن قام (بريمر) بحلّه ، دون أن يعترض عليه رجل رشيد واحد من (مجلس الحكم) لأنهم ضمنوا إمتيازاتهم ، صاروا يلقون لنا الفتات من شبابيك مطار المثنى لمدة عامين ونصف ،أسموها (دفعة الطوارىء) ، وفي أحلك ظروف التدهور الأمني ، ننتظر اية فطيسة إنتحارية تذرو أجسادنا على الأرصفة وهو ما حصل مرارا ، وذلك من عام 2003 حتى صدور قانون التقاعد في 2005 ، وهاهم يشحون علينا بصرف الفروقات لهذه الفترة ، رغم تدخّل النائب (رعد الدهلكي) ، لكن دون طائل ، ونحن لا نطالب بغير حقوق مشروعة يمكن أن يكون (طشّار) سرقة القرن كفيل بسدادها ، لكن الدولة عجزت عن إستردادها ، رغم وجود سرقات أكبر أسمّيها (سرقة الألفية) ، وهي مؤامرة سرقة سكك حديد العراق .
أشعر بالحيف كلما سمعت ببرلماني كسول لا يحضر الإجتماعات لأنه يستجم خارج البلد ، راتبه أكبر بعشر مرات من راتب المتقاعد العسكري ، بمشاوراتهم السرّية لزيادة رواتبهم بمقدار 30% بسبب غلاء المعيشة !! ، فماذا عنا ؟! ، أو تقاعد رئيس سابق بمجلس الحكم لا يزال يتقاضاه رغم مرور عشرون عاما ، هو أعلى بمائة مرة من راتب المتقاعد ! ، فصرنا نتقصّى الأخبار عن موعد صرف المستحقات ، لكنها للأسف محتويات يصنعها كذابون ، همّهم الوحيد الحصول على مشاهدات ، حتى لو كانت للتلاعب بآمالنا ، ليقينهم بحاجتنا الماسة لها ! ، هكذاعقّتنا الدولة ، نحن ممن لم يغادروا البلد ، وتحمّلنا الحروب والحصار والبطش السلطوي ، على عكس مَن كانوا يتسكعون في أوربا وسائر بلاد الله بإسم النضال الذي يجب أن يكون مدفوع الثمن ، فصرفت لهم كافة الرواتب التراكمية والإمتيازات ! ، لكن آمالنا تتقاذفها موافقة السيد رئيس الوزراء ، ووزارة الدفاع ، ووزارة المالية ، والجميع يضع اللوم على إقرار الميزانية ! ، وحقيقة فقد إنخفض سقف الأمل كثيرا بسبب موقف السيد وزير الدفاع عند مشاهدتي لبرنامج (جمبر سياسي) على قناة البغدادية ، وهو يتطرق لهذا الموضوع .
كل المتقاعدين في الدول المحترمة يعيشون ما تبقى من أعمارهم ، عيشة سهلة ، بعناية طبية ودواء وخدمات مجانية ، فيقضون أيامهم بالسفر وبالراحة ، على عكسنا ، فتزداد همومنا ومعاناتنا كلما بلغنا من العمر عتيا ..
Majid Al-Khafaji / Electrical & Electronic Engineer