23 ديسمبر، 2024 3:18 ص

أيها العراقي فكّر مرتين وثلاث قبل الأقدام على الأنجاب !.

أيها العراقي فكّر مرتين وثلاث قبل الأقدام على الأنجاب !.

قد يفسّر القارئ الكريم ، عنوان مقالتي على أنها دعوة للعزوف عن الزواج (الموجودة أصلا) ، لكن معاذ الله أن أخالف طبيعة وفطرة أساسية خلقها الله للبشر ، بل لكل كائن حي ، وأبرئ ذمتي أمام الله ، لكني أرى أن الدافع الأول للزاوج لدى غالبية الشباب لدينا ، هو لتلبية الغريزة أولا ، ثم ليأتي بعد ذلك ما يأتي ، وأنا أرى قرار الزواج يغيب عنه التخطيط الطويل الأمد ، لا أنكر أهمية الزواج من ناحية الحفاظ على النوع ، وما يكرّسه من استقرار للشباب لبناء اسرة متماسكة وهي حجر الزاوية لدولة مستقرة وناجحة أيضا ، لكن بشرط ، أن يُبنى على اسس متينة ، لا أراها متوفرة في البلد !.

كثيرٌ ما ننتقد الأفارقة ، ونحن نشاهد أخبار جوعهم ، فبأمكانك احصاء أضلع أطفالهم على بعد أمتار ، فطعامهم ما يتبقى من لحاء الأشجار ، كلنا يلقي الذنب على آبائهم ، كيف انجبوهم في أرض الجوع ؟ اية أنانية هذه ، أن يلبون غرائزهم الحيوانية ، دون ادنى اعتبار للمستقبل وعلى حساب ذرياتهم ؟ ، فهم لا يختلفون عن الحيوانات ، فهي لا تفكر بالمستقبل ، على خلاف الأنسان ، لأن الله خلق لنا العقل مع الغريزة ، لهذا صار الأنسان انسانا ، وأرى أننا صرنا لا نختلف كثيرا عن أولئك الأفارقة !.

الثمرة الحقيقية للزواج طويلة الأمد ، هي أن ترى جذورك تمتد في أرض صالحة طيبة ، وليست أرضا بورا وسبخة ومسمومة ، فلا شيء أقسى وأمرّ من أمل ترعرع ذريتكم لسنوات وجهد جهيد ، لترونه وهو يذوي في لحظات ، أن لا ينتهي المطاف بفلذات أكبادكم ، غرقى في البحار ، كلاجئ ترك كرامته خلف ظهره أملا في حياة كريمة في دول هي مَن سببت مآسيه ! ، أو ضائعين في المنافي وهم يستجدون اللجوء هربا من الجحيم التي التهمت الطموح ! ، فلا يوجد عقاب الهي في الدنيا ، أقسى وأشد من فجيعة أبٍ بأبناءه ، فحتى (يعقوب) النبي ، ابيضت عيناه من الحزن لفراق (يوسف) ، وأنت ترى بذرتك قد صارت زهرة بعد طول أمل ، وقبل أن تتحول الى ثمرة ، يقطفها سياسي بفساده ، او ارهابي بفعله ، فكلاهما تافهان ومجرمان وبنفس الكفّة .

أنتم يا آباء المستقبل ، أنتم لا تتصورون المعنى العميق للأبوّة اذ لم تختبروه بعد ، وما به من قوة حب وحنان وتضحية وأيثار وبذل الغالي والرخيص لأجل الأبناء ، فلو كان هنالك تصور ولو بسيط لذلك ، ما كان هنالك شيء اسمه العقوق ! .

تسألون عن الأمل ، نعم الأمل حق مشروع ، لكن ما فائدته بلا معطيات أو أرضية وقد أختفت كل تباشيره في الأفق المظلم الحالك ، فالعراق ، الدولة الوحيدة على الأرض ، تتقلب فيها أقدس المقدسات ، بين مشروع للنهب والتجارة ، الى مؤسسة لشرعنة القتل والتدمير ، البلد الوحيد الذي ليس به خطوط حمراء ، فلا توجد حرمة ولا أعتبار ولا قيم على الأطلاق ، فهل هذه هي البيئة التي ترتضونها لذرياتكم ؟ ، يتفطّر قلبي وأنا أرى صِبية يستجدون متراكضين بين السيارات ، أي عقل لا مسؤول انجب هؤلاء ؟ ، أي مستقبل هذا الذي سيمليه عليهم الشارع ؟ ، انجابكم لا شيء في نظر الدولة سوى رقم اضافي ، لتستجدي به أمام المصارف العالمية ، لأستدرار القروض العالمية ، تلك القنابل الموقوتة التي ستنسف ما تبقى من اإقتصاد !.

لم تكن لدينا اية مخاوف ونحن نستشرف المستقبل ، فبلدنا غني ، ومبدأ (لا أحد يموت جوعا) ، معشعشٌ في أدمغتنا ، لهذا تزوجنا وأنجبنا ، دون علم منا ، أن الوطن قد جسّد إمكانية (الموت جوعا) ، بل وأضاف لها عدة مفردات كالموت حرقا بالمفخخات ، والموت كمدا وهمّا وأهمالا وحيفا ونبذاً ومرضا ، ، لم نكن نتوقع ، أن تتحقق في أيامنا هذه أسوأ من أسوأ مخاوفنا ، فأبتلعنا (الموس) ، ونحن نرى ذرارينا ، تعاني ما عانيناه ، بل أسوأ ! ، أسأل الله أن لا تمروا بلحظة من تصور مدى قسوة الشعور بالعجز والذنب ، ونحن نرى أولادنا يضرسون الحصى بدل الحصرم ، فتتكسر أسنانهم ويهرموا قبل الأوان ، وصدّقوني أن لحظة من هذا الشعور بكفّة ، والعمر بأكمله بكفّة ، وها قد مضى العمر ، وأصابعنا تكاد تتقطّعُ عضا ، وغيضا وندما ! ، ونحن نرى حكومة لا يساوي المواطن في نظرها فلسا ! ، نعد الأيام والليالي حتى يتخرج أبناءنا من الجامعات ، لينضموا الى جيوش العاطلين عن العمل ، أزاء موظفين (محظوظين) بشهادات مزوّرة ! ، هكذا هُجّرت العقول والكفاءات بل وصودر الوطن بأكمله !.

هل ترغبون بالأنجاب في بلد يعيش خارج أطار الزمن ؟، وقد تزعزعت فيه كل القيم والثوابت الأنسانية والسياسية الى درجة الزوال ، وتبدلت فيه كل الأعراف الأجتماعية التي كنا نلوذ بها ، فلا مكان فيه للشريف ولا للنزيه ولا للكفوء ، وتحولت المواطنة والنزاهة والحرص الى خرافة وادعاء ! ، الحقّ فيه صار نشازا ، وغابة تعج بالوحوش ، البقاء فيها للقوي ، ولصاحب (الواسطة) ومن يمتلك القنوات مع الأحزاب المتنفذة ، كل ذلك والبلد غني بكل شيء ، فكيف الآن والدولة مفلسة ومنهارة بكافة الصعد ولأول مرة في تاريخها ، ونحن مهددون مع كل نَفَس (ملوّث) نستنشقه وجو غير صحي بهواء فاسد ، مصدره الوزارات والكيانات السياسية ، وكأنها سلال للقمامة ؟! ، وقد بدأت فعلا بوادر الجفاف بسبب إبتزاز دول المنابع .

نقول في قرارة أنفسنا ، الحمد لله ، لدينا النفط ، الثروة الوحيدة التي تبقينا أحياء ، وإن كانت مرادفة للنهب والفساد والأطماع الخارجية ، ولكنا بدأنا ندخل عصر الطاقات المتجددة فعليا لمحاربة التغير المناخي ، ولا مناص من ذلك في الأفق المنظور ، عندها سيكون سعر النفط لا يساوي فلسا واحدا ، فكيف سيكون حالنا ؟، عندها سنرقب ذرياتنا وهي تستحم بذلك السائل الزيتي الذي كانوا يسمونه الذهب الأسود بسبب ندرة الماء ، تلك الثروة ، التي طالما تحوّلت إلى حمم وحروب ولعنات وكوارث ونِقَم !.