العراق بلد جنت عليه الجغرافية وفتك به النفط , وقد أغفل العراقيون هذين العاملين في تقرير مصيرهم وتنمية أوجاعهم وإفتراسهم عن بكرة أبيهم!!
فالبلد محاط بالجيران الطامعين بالإنقضاض عليه وإمتلاك ما فيه , وتحويله إلى موقد تلتهب فيه جمرات الويلات والتداعيات وتنتشر المآسي والأحزان.
فالجار الشرقي لا يرحمه ويسعى لإمتلاكه , وكذلك الجار الشمالي , أما الجيران العرب في الجهة الغربية والجنوبية الغربية والجنوبية , فهم الذين أسهموا أعظم الإسهام في الإستثمار بخرابه وتدميره.
ومنذ 1979 وحتى اليوم والبلاد تغلي على مواقد الحروب والتفاعلات التدميرية المروعة , حرب لثمان سنوات , سانده فيها جميع العرب إلا سوريا وأوهموه بأنه الحارس الأمين للبوابة الشرقية لبلاد العرب أوطاني , وبعد أن أدرك ما حلّ به وكيف إنزلق إلى براكين الوجيع , إنبعج جنوبا , فاستحضر طاقات العرب والدنيا التدميرية للإنقضاض عليه.
وللتأريخ لا بد من الإقرار بأن الجزائر وتونس والمغرب هي الدول الوحيدة التي لم تشارك في صناعة مأساة العراق , بل أن الجزائر فقدت وزير خارجيتها في محاولاتها لإطفاء نيران الحرب بين العراق وإيران , وربما قد فقد رئيسها بسبب ذلك أيضا.
وكانت سوريا على العراق خلال حربه مع إيران , وصار العرب المحيطون بالعراق جميعا وحتى مصر على العراق مع العالم في حرب الخليج الثانية , وأسهم العرب في تدمير العراق بجيوشهم ومطاراتهم وقواعدهم وإعلامهم وتمزيقهم للمجتمع.
وفي حرب الخليج الثالثة كان العرب , والخليجيون خصوصا وبلا إستثناء مع تفاوت في حجم الأدوار , الركن الأساسي الفاعل في إحتلال العراق وتدميره , وإشاعة الفوضى والصراعات التي إنطلقت فوق ترابه.
ومنذ 2003 وحتى اليوم والعرب يشاركون في تحطيم العراق وتدميره بالكامل , فسوريا أسهمت بقوة في تحقيق الإضطرابات وتوالي الإنفجارات حتى 2011 و وقد تم تهديها بالشكى لمجلس الأمن من قبل رئيس الوزراء السابق.
فبعد 2003 أصبح العراق فريسة مضرجة بالدماء , تكالبت عليها جيرانها السوابغ , وكل مَن وجد فرصة للإمساك بلقمة وجيع , فأصبح المجتمع ممزقا ومعسكرا ضد بعضه وبجهود وإمدادات عربية وأجنبية , وتحول المجتمع إلى مجاميع ومقاطعات تمولها هذه الدولة أو تلك.
فلا جار بريئ من تداعيات العراق , الجميع يسعون نحو مصالحهم , إلا العراقيون الذين تحولوا إلى أعداءٍ لبعضهم ولذاتهم وموضوعهم , فوقعوا جميعا في أسر الآخرين , وصار مصيرهم محكوم بتحقيق مصالح غيرهم الذين يساندونهم.
ووفقا لهذا عمّ الإضطراب وتسيّد الخراب والدمار , وإنتشر إعلام الكراهية والبغضاء , وصار التخاطب بفوهات البنادق والمتفجرات , وتناسى العراقيون وطنهم العراق , وصار لكل منهم وطن فئوي متصاغر يتوهم بأنه سيأويه , ويتناسى بأنه صار رهينة لجيرانه الضواري وإخوانه العرب الأعداء, كما تم إستخدام الدين والمتاجرة به للضحك على عقول الأبرياء والبسطاء وإستعبادهم وتسخيرهم لأهداف الشر والسوء.
وفي هذا المأزق المصيري العراقي , على جميع العراقيين أن يستيقظوا من رقدة الهلاك والإهلاك , ويفكروا بصدق وعزيمة وإرادة جامعة بمصالحهم وما ينفعهم , فلا جار ينفعهم ولا دولة عربية سترحمهم , ولن يساعد العراقيين وينقذهم ويصلح أمرهم ويمنع عنهم البلاء , إلا العراقيون أنفسهم .
لا أحد يرحمكم أيها العراقيون إلا أنتم , فاعرفوا مصالحكم وكونوا بوطنكم إخوانا متحابين ومؤزرين بقدرات الألفة والتفاعل الوطني المتين.
لا أحد ينفعكم , لا جار شرقي أو شمالي أو دولة عربية , مهما توهمتم , فالتأريخ البعيد والقريب يؤكد وبتكرار وتوافق أن الجميع يطمعون في العراق , ويريدونه , وذلك هو قدره الجغرافي ومأزقه النفطي , ومعضلته السياسية.
فاعتمدوا على أنفسكم وتعاضدوا واعتصموا بحبل التكاتف والتعاون , والتراحم واعزموا على البناء وصناعة سبيكة الوطن العزيز , التي تقاوم أصعب التحديات وتصنع المستقبل اللائق بكم , فالإرادة الوطنية الصادقة العازمة المؤمنة لا تعرف المستحيل , ولنتأمل المجتمعات الأوروبية كيف كانت ثمّ صارت.
نعم أيها العراقيون لا أحد ينفعكم أو يرحمكم , إلا أنتم فكونوا بوطنكم إخوانا!!