بعض الناس يتصرفون وكأنهم يحاربون العالم، ولكنهم يحاربون أنفسهم، فقد قاد العراق رجل الحكومة السابقة ذات الثماني سنوات العجاف، وأعتقد أن الحياة المصطنعة أعلنت إنتصارها، وأن منجزاته لا مثيل لها، وهذا يدل على انه كان واضحاً بما يجري في داخل نفسه فقط، أما خارجها فليس له أهمية عنده!، لأنه يرى واجب الحكومة مقتصراً على زج الدولة في مغامراته السياسية والعسكرية، بدلاً من إصلاح منظومته التي أعطبها الفساد والتخبط، والثمن مزيد من الدماء والأشلاء وقليل من البناء وكثرة في الإقصاء.
عراق جديد يأبى أن يستمر جرحه النازف، ويخضع لمخطط الجاهلية المتحجرة، ويذبح أبنائه باسم الدين فالعراقيون مشتركون في الدماء، مثلما هم مشتركون في المحاسبة يوم القيامة، وقد أثبتوا للعالم أنهم شعب واحد بقلب واحد، رغم الأزمات والانقسامات التي برزت للوجود في خضم الصراع مع الإرهاب والتكفير، وسيخرج العراق منتصراً من المعركة، فالفائزون والفاشلون ما داموا عراقيين فالنتيجة وطن واحد، وصفر لكل أنواع الطائفية والمذهبية، ففي العسر سيوفى الصابرون أجرهم، وسلام عليهم بما صبروا فنعم عقبى الدار، فجيشنا وشعبنا يستحقون الحياة.
الروائي البريطاني يقول (لكي تبصر شيئاً كما ينبغي لا تحدق اليه، وإنما سلط عينيك فوقه وتحته وحوله) وهذا ما أدمن عليه رئيس الوزراء السابق، حيث أنقلب الى كائن ضئيل لزج بالكرسي ضيق العقل، والعراق أصبح مجرد خريطة جغرافية تركت أثرها على المواطن بمذهبه وقوميته، وباتت الحكومة تترنح بين الإعجاب المطلق من قبل الفاشلين والفاسدين من عصبته، وبين الاستهجان المطلق لسياسته الخرقاء التي أدت الى تمزق النسيج العراقي، وعلى يديه أصبح الجيش العراقي رافضياً، والسنة الشرفاء خونة، والشيعة صفويون، والحشد الشعبي طائفياً.
الشعب يحلم بحياة حرة كريمة في مجتمع يمتلك أمره، لا يحكمها دكتاتور ولا عائلة تتناسل حكم الناس وتعتبرهم عبيداً لها، فهم في واد والحكومة في واد أخر، فمن يحرس الوطن؟!والإجابة تعني للعراقيين طوال حكمه المتفرد المزيد من السنوات الضائعة، فالتسلسل الزمني في العراق لم يعد قائماً لخلق الأشياء الجميلة، بل كان الشعب يطالع الكتب المليئة بالخداع والمصائب والمآسي، وعندما حل التغيير بدأ القائد العام بجمع كل ممتلكاته بعناية فائقة في زاوية ضيقة جداً لكي يقول لشعبه: تقبلوا حقيقة ما حدث!
هناك أشياء لا تباع كالأرض والعرض، والحاجة الى مواطنة الشرفاء باتت ضرورة، لإعادة اللحمة بين مكونات الشعب الواحد ونبذ الخطاب الطائفي، عندئذ سينحني العالم أجمع إجلالاً أمام حكمة العراقيين، الذين يتعاملون مع السعادة وكأنها فطرة تراهم ويرونها، وتخاطبهم ويخاطبونها بشفافية، ليشعروا بأن حياة جديدة بإنتظارهم، لذا علينا تقبل حقيقة أن ما حدث قد حدث، وأنه لا يمكن تغيير الماضي لكن بالإمكان صنع المستقبل، فالتغيير أول إنتصار سحب وراءه سلسلة من الإنتصارات، دون أن يكون الرئيس قاتلاً أو سارقاً أو فاسداً!