18 ديسمبر، 2024 8:45 م

أيها الشعر تقدم ولا تجعل أحداً ينجيك ….

أيها الشعر تقدم ولا تجعل أحداً ينجيك ….

أن غالبية الشعراء يجدون في كتاباتهم ما يستطيعون التعبير عنه وبخلاصة ما يعانوه من تجارب فكرية وإنسانية تتفاعل مع الرؤية والتأمل والجمال والخيال ، متناغمة مع الإحساس اللغوي والإيقاع الشعري الذي ينسج الشكل الإبداعي المنظور ، واختيار القاموس من المفردات ا لتي تقبع في عقل الشاعر ،لتتشابك تلك العناصر المركبة ،لتظهر من كيانه القصيدة ، بفعل البناء الفني الجمالي الذي تأسست عليه ، إذ يتوخى الشاعر الحذر من التشكيلات غير الضرورية في البناء المحكم للقصيدة،هذا الحذر المشبوب باللهفة ،يؤدي بالشاعر الى امتلاك ناصية البحث عن منافذ تدخله معالم جديدة لرؤيته وتأمله وخياله ، لتحيله إلى منابع ثرة ، هذه المنابع هي حصيلة وخلاصة تجاربه ، لذا نجد من الضرورة التنبيه إلى المعالجات الحسية والعقلية التي يريدها الشاعر وهو يراقب انفعاله ، إثناء الكتابة وبعدها ، لأنها العلامة التي تجعله ،يتواصل في الكتابة ، ومن هذه التجربة ، يكون عليه أن يراقب كل شيء ، بدءا بالفكرة ، وانتهاء بالأسئلة التي تنتهي فيها القصيدة ، أو بالمنافذ التي يوصلها الشاعر إلى القارئ، ونحن هنا غير متناسين رؤية القارئ لهذا المنجز الإبداعي الذي أراده الشاعر ، وعبر هذين العالمين، تتواصل أفكار الشاعر مع القارئ ، ومن هنا يكون التميز ، خاصة إذا كان القارئ ناقدا ، يدرك ما يكتبه الشاعر ، ويعرف أدواته ، ويدرك عوالمه الشعرية والشعورية أيضا .
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أهمية المزاوجة الحقيقية بين أفكار الشاعر وعوالمه ، وبين أحاسيس المتلقي وتفاعله مع القصيدة ، لان كلتا الحالتين تدخلان في الرؤية الجديدة التي تتشكل بينهما .
ولا يهمنا في هذا المضمار، ان نذكر ، ان الشعر وقيمته عند القارئ ، هو الخلاص الذاتي المتواتر بين العوالم الجديدة التي يقدمها الشاعر ،وبين الذات المتشكلة ، إثناء القراءة ، للقارئ نفسه ، بمعنى ، ان الشاعر يدرك تأثيره على القارئ، هذا القارئ لا يستطيع ان يتواصل مع القصيدة ، الا اذا تطابقت الأفكار والرؤية لدى الشاعر معه ، فيكون لزاما على المتلقي ، ان يبحث عن معالم هذه القصيدة وأبعادها عند الشاعر .
الشعر لدي حالة من التوجس الخفي مع الوجود والعالم ، وحالة من الاسفار الدائمة بين الذات ، وحالة مضادة مع الأحاسيس أحيانا ، وحالة من الكشف المستمر ، وحالة تسحبني الى المجهول دائما .
والشعر أبواب مغلقة عليّ فتحها ، وتبيان ما وراءها ، تلك الإسرار التي تجعلني ،أفك رموزها، وعناصرها ، وأشكالها ، وما تحتويه من أسماء ، ومن ثم أحاول أن امتلاكها حسيا ، ومدى تأثيرها عليّ ، والتي تجعلني في دوامة القلق الذي لا ينتهي .
ولأن الشعر يتقدمني ، فأنا أسعى إليه كالذئب ، وكالنار ، وكالصوت ، وكالريح ، لا ابالي ما يحدث لي ، سوى أن أتخطفه ، ويتخطفني ، أهاجمه ، ويهاجمني ، وهكذا امسح الزمن بيني وبينه ، لاشكّل زمني الخاص ،هذا الزمن هو الذي يجعلني أن أتحرك بحرية الى الأمام ، تاركا خلفي ، كل شيء.
الشعر لا يبالي بالشاعر ، أنّى كان ، والشاعر يسعى الى الشعر بشتى السبل ، ولا منقذ له ، سوى القوة الكامنة فيه ، هذه القوة ، لها مساراتها التي لا تنتهي ، ولا يستطيع معرفتها ، وسحبها ، الّا الشعر ، لانه الثقب الأسود ، الذي يبتلع كل شيء ، فهو في سورة جبارة ، يتقدم بحركته ، ماسحا ، وكانسا ، كل الشعراء الى المجهول .
[email protected]