22 نوفمبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

أيها السادة: التغيير ليس اتفاقاً سياسياً ولا حكومة تكنوقراط

أيها السادة: التغيير ليس اتفاقاً سياسياً ولا حكومة تكنوقراط

في الفيزياء، كلما اتحدت اتجاهات القوى المؤثرة على أو في وسط معين، كُلًَّمَا كانت المحصلة النهائية للقوة اكبر، وكانت بالتالي أكثر قدرة على إنجاز الشغل المطلوب لإحداث التغيير. للمزيد من التوضيح، اذا تواجَهْنا انا وانت على دفع سيارة فإنها لن تتزحزح من مكانها، وإذا حدثت اية إزاحة فإنها سوف تكون متناسبة مع اختلاف القوة بيني وبينك كما في لعبة جرّ الحبل بالضبط.
اذا أردنا أن نحرك السيارة من مكانها علينا ان تدفع في اتجاه واحد، ونلف الحبل معا للإستفادة منه في ربط الدابة الهائجة بدلا من ان ينقطع فنسقط معاً او نستنفذ قوانا بالجر والعر الى ان يضعف احد الطرفين ويتهاوى صريعاً فنعض بعدها أصابع الندم، ونقول يا ليت الذي جرى ما كان ولا سرى.المثل الشعبي قبل الفيزياء يقول ( گوم التعاونت ما ذلت )، والحكمة الشهيرة تقرر أن في الإتحاد قوة. مفهوم في غاية البساطة، غير ان القوى المؤثرة في العراق لا تدركه، أو أنها تدركه وتستوعبه ولكنها لا تعمل به لأنه يخالف مصالحها التي تأتي قبل مصلحة الوطن، فنرى كل قوة تتمترس في قاعدتها الأمينة وتقاوم التغيير بكل ما أوتِيَت من جهد وإمكانيات، وتجعل تحقيقه صعباً ان لم مستحيلاً، وإذا صادف وأن حدث لسبب أو لآخر فلن يكون إلاّ هامشيا يتناسب مع فرق النفوذ بين هذه الجهة وتلك.في عام ٢٠٠٧ ، اعتمد الجنرال ديفيد بيترايوس، قائد قوات التحالف المشتركة في العراق، استراتيجية جديدة مضادة للإرهاب، لا تستهدف محاربة القاعدة فقط وانما بالدرجة الأساس، حسب قول علي خضيري، اكثر الدبلوماسيين الأمريكيين الذي عملوا في العراق بشكل مستمر بعد ٢٠٠٣، تمكين العراقيين من العمل في جبهة واحدة مع بعضهم البعض وعقد صفقات سياسية جادّة. كان بترايوس يعتقد ان الحد من نفوذ الميليشيا الشيعية المدعومة من ايران والحكومة العراقية معاً، ومن ثمّ جعل السمك ينقلب على البحر في البيئة السنيّة الحاضنة للأرهاب سوف يوحِّدان القوى العراقية الفاعلة في جبهة واحدة.
بدون الدخول في التفاصيل التي ربما عدنا إليها في مناسبة اخرى، حققت استراتيجية بيترايوس نتائج باهره، وتأسست الصحوات التي قلبت السمك على البحر فعلا، وتراجع نفوذ الميليشيات، فجمد السيد مقتدى الصدر جيش المهدي ولم نعد نسمع الا بمنظمة بدر وليس فيلق بدر، رغم ان الزرقاوي بشعاره المعروف حاول زرعه في اذهان الناس، اما المليشيات الأخرى ذات الباع الأطول الآن مثل العصائب وحزب الله وغيرها فإنها لم يعد لها حضور يذكر وأقام الأمريكيون عوازل كونكريتية منيعة في الأحزمة الساخنة المحيطة ببغداد لحماية سكان هذه المناطق من أعمال الخطف والتعذيب والقتل والتطهير العرقي المتبادل، وشمر الجميع عن ساعد الإنتخابات.
لوحظ وفق إحصائيات مختلف الدوائر المعنية بالشأن العراقي ان معدلات الإرهاب انخفضت بنسبة ٩٠٪، بحلول موعد انتخابات مجالس المحافظات ٢٠٠٩، ومن الظواهر الملفتة للنظر بهذا الخصوص ان المراقبين تحدثوا عن ملامح هوية وطنية جديدة لعراق جديد لأول مرة، مفصولة تماما عن الطابع الذي دمغ حقبة البعث وصدام حسين تتجاوز الطائفية وقتال أبناء الوطن الواحد ويضربون مثلاً كيف ان زعماء الصحوات من رجال العشائر ومن قيادات التنظيمات المتمردة على القاعدة وضعوا أيديهم في يد حكومة بغداد، وكيف ان الشباب العراقي من كل المكونات التف حول فوز شذى حسون بلقب ستار أكاديمي وحصول منتخب العراق لكرة القدم على بطولة أسيا على حساب السعودية، وارتدوا الأعلام العراقية وتلفعوا بها وتحزنوا، وهتفوا بإسمه، وكان ذلك دليلا واضحاً على تراجع حظوظ القاعدة والميليشيات على حد سواء بينهم.
غير ان حكومة المالكي الذي طالما تباهى ان إنقاذ البلاد من أتون الحرب الأهلية ومنعه من السقوط في دركها، كان من اكبر إنجازات كابينته الأولى، والذي يُعتقد على نطاق واسع أنه يأتمر بأوامر ايران وينفِّذ سياستها، تبنّى استراتيجية مضادة تماماً لإستراتيجية بيترايوس المضادة للإرهاب، فحارب الصحوات ونزع سلاحها وقطع رواتبها وسرح الآلاف من ابنائها واعتمد على الميليشيات لدعم سلطته والحد من نفوذ منافسيه في الشارع الشيعي، خصوصاً التيار العراقي الصدري ، وورط العراق في المشكلة السورية وقيل انه وهب النظام السوري المليارات بدلاً من تعزيز الإحتياطي النقدي لبلده وشجع الشباب العراقي للقتال في حرب عبثية لا ناقة لنا فيها ولا “فيل”، وانقلب على شركائه في العملية السياسية واستخدم المال السياسي لكسب الولاء بين أوساط الشعب من كل الطبقات والمكونات بفضل تضخم الإيرادات النفطية من جراء ارتفاع معدلات الإنتاج بفضل عقود التراخيص وصعود الأسعار في السوق العالمي بدلا من استثمارها لإنعاش الإقتصاد ورفاهية الشعب ، فكان أن أعاد السمك الى البحر وأجج نار الطائفية وأدخل البلد في النفق المظلم الذي نعيش في عتمته جميعاً.
خلاصة القول: التغير ليس اتفاقاً سياسياً ولن يحدث بمجرد تشكيل حكومة تكنوقراط كما يعتقد السيد العبادي، وإنما إرادة حقيقة مخلصة لرسم هوية وطنية، تجيد تصميمها حكومة سياسية قوية، تقلع جذور الإرهاب وتلجم الميليشيات وتطفئ نار الطائفية وتقبر الفساد الإداري والمالي، بالتخطيط السليم والعمل الحاد وتكاتف الجميع.ولكم في بيترايوس قدوة ومثال[email protected]

أحدث المقالات