وسط توترات متصاعدة في الشرق الأوسط ومع انهيار اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية ، وإعادت واشنطن فرض العقوبات على إيران ،وتفاقمت الازمة بين الدولتين حتى باتت كبركان النيران الذي يرمي بحممه على دول المنطقة ، وبات العراق بين مطرقة العقوبات الامريكية على ايران وسندان متطلبات السوق العراقية الذي يعتمد على المنتجات الايرانية بصورة كبيرة.
إذ يعد العراق الخاسر الأكبر من هذه التوترات ، فعلى مستوى العملية السياسية في العراق هي عملية توافقية، إذ تسعى بغداد من أجل الخروج برأي موحد يحافظ على الأمن القومي العراقي، وهذا الموضوع ليس بالبسيط، في ظل وجود ضغوطات على الرئاسات الثلاث .
وعلى المستوى الاقتصادي وجد العراق في المنتجات الايرانية إمكانية لتغطية احتياجات السوق العراقية في قطاع المواد الغذائية ومجال الطاقة ؛ إذ يستورد العراق ما يصل إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من طهران.
ونظرا للأضرار التي يمكن ان تلحق بالعراق جراء هذه العقوبات، فقد تم شموله بالاستثناء المؤقت بالاضافة لبعض الدول كالصين، ايطاليا، الهند، كوريا الجنوبية، تركيا، تايوان؛ الا ان محدودية هذا الاستثناء وما يرافقه من تصريحات أمريكية بضرورة التزام العراق بالعقوبات الامريكية والبحث عن مصادر بديلة لتامين احتياجات السوق العراقية ، إضافة لتواترات استهداف ناقلات البترول في المنطقة ، وإصرار خفي على جر المنطقة للحرب وعدم الاستقرار ، كل هذا يستدعى من الحكومة العراقية تبني استراتيجية التحوط الاستراتيجي على مسارات مختلفة:
المسار الأول : الدبلوماسية العراقية
إتباع إستراتيجية “التحوط الاستراتيجي” وتعني تبَّني العراق مبدأ مسايرة سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وسلوك الجمهورية الايرانية الاسلامية ، في الوقت الذي تعمل فيه على تطوير قدراتها الداخلية بمستوى يوازن هذا السلوك، وهو الأمر الذي يقلل من خطورة الصراع على المدى القصير، ويتيح الفرصة للدولة المنهكة الحفاظ على خططها الطارئة لمواجهة التهديد الأبعد على المدى الاستراتيجي ، و يدعم دور الوساطة العراقية في الازمة.
المسار الثاني : البديل الاقتصادي.
أولا : تفعيل إرادة السلطة الوطنية في إحداث “التنويع الاقتصادي الهيكلي” من خلال تحديد أولويات مشاريع الاستثمار الحكومية المُمَوَّلة من الإيرادات النفطية للتأثير في مسارات النمو في سائر القطاعات لإيجاد مصادر جديدة للإنتاج وللدخول وللصادرات.
ثانيا : الإسراع في استكمال وتطوير مشاريع البنية الأساسية اللازمة لتوفير البيئة المناسبة لزيادة الإنتاج وللاستثمار الخاص والانفتاح على المحيط العربي وحدث هذا في الاجتماع الثلاثي (العراق – الاردن- مصر) وقد وقع العراق معها اتفاقا على انشاء أنبوب لتصدير النفط من ميناء العقبة بطول 1700 كم وبكلفة 18 مليار دولار، اضافة الى بناء منطقة صناعية على الحدود بعمق 2 كم وعرض 6 كم وتزويد العراق بالطاقة الكهربائية. كما تم مناقشة موضوع انشاء انبوب لتصدير النفط العراقي عن طريق الموانيء المصرية على البحر المتوسط كامتداد لانبوب النفط الاردني.
ولعلاج الأزمة الكهربائية العراقية ؛ وقع العراق مذكرة تفاهم مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية لإصلاح قطاع الكهرباء، بعد توقيع اتفاقية مماثلة مع شركة سيمنز الألمانية. ووفقا للتقديرات فإن الاتفاق قد ينهي أزمة الطاقة في البلاد عبر الوصول للاكتفاء الذاتي خلال فترة سنتين على أبعد تقدير.
وفي النهاية تنسجم إستراتيجية “التحوط الاستراتيجي” مع الواقع العراقي، لكونها تسعى إلى تحقيق أعظم الفوائد من خلال التفاعل مع المحيط الإقليمي عن طريق المؤسسات والروابط الاقتصادية والثقافية، إضافة إلى تحقيق التوازن العسكري غير المباشر من خلال تحديث القدرات العسكرية العراقية والروابط الأمنية الدولية.