من باب التهكم، قبل نحو عام تساءل صحفي كوردي لا يحضرني اسمه عن موقع مزبلة التاريخ! ومن وحي تساؤله ارتأيت تثبيت العنوان أعلاه. وإذا كان الصحفي الكوردي قد أخفق عن تعيين موقع مزبلة التاريخ، يخيل لي إني على النقيض منه قد أفلحت قدر المستطاع في الكشف عن موقع جحيم الصحفيين في العالم، من خلال إيراد الوقائع التي مر بها الصحفيون بدءا من1/1/2013 والى 15/3/2013 علما ان الوقائع المذكورة في متن هذا المقال على سبيل المثال لا الحصر.
ولنبدأ بالعراق، فلقد نجا الصحفي علي المطلبي من محاولة اغتيال عن طريق دهسه بسيارة لا تحمل رقما، وحسب شقيقه ان عليا سبق وان تلقى تهديدات بالقتل من قبل مجهولين، وذكرني اسلوب الدهس بسيارة بأعمال قتل كان الشيوعيون يتعرضون لها في السبعينات من القرن الماضي على يد النظام السابق. وتعرض صحفيان آخران هما: عبدالزهرة زكي وقاسم محمد عباس الى محاولة اغتيال أيضا استنكرتها نقابة الصحفيين العراقيين في حينه.
عدا محاولات الاغتيال بحق الصحفيين في العراق، فإن حوادث اعتقالات حصلت بحقهم وكانت كثيرة، في جلولاء مثلا، اعتقلت السلطات العراقية صحفيا تابعا لإعلام الاتحاد الوطني الكوردستاني كان يقوم بتصوير التظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة العراقية. ولكي لا يطلع العالم الخارجي على حقيقة الأوضاع في العراق، فان الصحفيين الأجانب لم يسلموا من الاعتقالات، مثال ذلك اعتقال الصحفي الفرنسي (نادر دندون) الذي مكث في المعتقل نحو (3) أسابيع، الى أن اطلق سراحه بعد تدخل من وزارة الخارجية العراقية ومؤسسات معنية بالصحافة وحقوق الإنسان.
وإذا كانت الحكومة في العراق تخشى من تسرب الحقائق داخل البلاد الى العالم الخارجي، فان المعارضين لها على النقيض منها، ففي سامراء شجب المتظاهرون في (ساحة الحق) استهداف الصحفيين بغض النظر عن جنسياتهم ممن سموهم بالموتورين، وفي محافظة الأنبار صدر أمر من قائد القوات العسكرية هناك بمنع الصحفيين الأجانب دخول المحافظة.
وليس الصحفيون العراقيون مستهدفون من قبل القوات الأمنية فقط، فلقد سجلت حالات كانت من عمل المنظمة السرية أو هكذا أوحت، ففي مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، اختطف مسلحون ملثمون مراسل فضائية الشرقية (كرار علاء التميمي) بعد خروجه من منزله الكائن في حي الإمام علي في شرق المدينة. وفي أكثر من ساحة للتظاهرات فان التجاوزات على الصحفيين اتخذت أشكالا غير التي ذكرناها مثل قيام القوات الأمنية في مدينة الموصل بالاعتداء بالضرب على الصحفي وضاح حسن.
وفي أحايين كثيرة تقوم القوات الأمنية المنتشرة حول ساحات التظاهرات والاعتصامات بانتزاع آلات التصوير من الصحفيين وكسرها وتحطيمها في حالات كثيرة، وبلغ اضطهاد الصحفيين حدا منعهم للوصول الى المعلومات، بل ومنعهم من دخول مؤتمرات، كما حصل عندما منع الجيش الصحفيين من حضور مؤتمر في وزارة الخارجية العراقية وحذرهم من أنه سيطلق النار عليهم ان لم يمتثلوا لأوامر المنع.
وفي التضييق على الصحافة والصحفيين ثمة مساعي تقضي بغلق المركز الصحفي في البرلمان العراقي وكان ائتلاف العراقية سباقا الى إدانة تلك المساعي، واصفا ذلك المركز بالحضاري.. الخ من الأوصاف. وتتبع أساليب أخرى لإسكات صوت الصحفيين العراقيين منها (استخدام السلطات للمال العام لخنق الصوت الصحفي) والذي جاء في سياق خبر عن تظاهرات أهل سامراء في (ساحة الحق).
وتلي العراق كل من سوريا وإيران في اضطهاد الصحفيين والأسرة الصحفية، ففي سوريا المكان الأسوأ للصحفيين من بعد العراق، اعتقلت السلطات السورية الصحفي التركي (بشار فهمي) مراسل فضائية الحرة الأمريكية وأوقفته لشهور ما أدى الى تنيم الصحفيين الاتراك لتظاهرة احتجاجية أمام القنصلية السورية في اسطنبول مطالبين بإطلاق سراحه.
وبعد أيام على ذلك الحادث، اعتقلت تلك السلطات صحفيا ألمانيا بحجة دخوله سوريا بطريقة لا قانونية وفيما بعد ونتيجة للاحتجاجات تم تسليمه الى السفارة الروسية. علما انه على امتداد سنتين من عمر الثورة السورية، فإن صحفيين سوريين وأجانب واجهوا القتل والاحتجاز والتعذيب على يد الحكومة السورية، ومن الأدلة على الوضع الصعب للصحفيين والصحافة في سوريا يكفي أن نعلم ان الإرهاب المسلط على الصحفيين والصحافة في هذا البلد، إنه راح يطول حتى المؤسسات الصحفية الخاضعة للنظام القائم، حين اغلقت السلطات الصحف: الجماهير والفرات والعروبة بذريعة صعوبة الإنفاق عليها في وقت نجد فيه الحكومة السورية تنفق الملايين من الدولارات على شراء الأسلحة ووسائل القمع ضد شعبها الثائر.
وفي إيران يكفي أن نعلم، ان لا حرية للصحافة فيها وان صوت الصحفي المعارض يقمع بقوة، فقبل أسابيع من الآن اعتلقت السلطات الأمنية (10) من الصحفيين الموالين للتيار الإصلاحي المعارض، وفي مدينة سنه الكوردستانية الإيرانية اختطف صحفي كوردي كان يعمل رئيسا لتحرير مجلة (ديدكاه).
إن وضع الصحافة والصحفيين، سيما الصحافة الكوردية، رديء فما زال يقبع في السجون التركية العشرات من الصحفيين الكورد والأتراك أيضا، وسبق لكاتب هذا المقال وان عزز من هذه الحقيقة بالشواهد والأرقام في مقالات سابقة له.
وفي الجارة الجنوبية للعراق أي الكويت فقد نفذ حكم بسجن الصحفي (زيد الزايد) لمدة شهر بسبب نشره مقالا عن الفساد في الكويت، ومع ذلك لا يمكن مقارنة وضع الصحفيين في العراق وسوريا وإيران.
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تم تسجيل أكثر من حالة اضطهاد مارستها السلطات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين، ما دفع بأولئك الصحفيين الى تنظيم اعتصام أمام سجن عوفر الإسرائيلي الذي يقبع فيه العديد من الصحفيين الفلسطينيين وطالب المعتصمون الحكومة الإسرائيلية بإطلاق سراح زملائهم الصحفيين فورا، إلا أن الحكومة الإسرائيلية بدل من أن تنزل عند مطلبهم العادل، قامت باعتقال الصحفي الفلسطيني (عامر أبو عرقة) والرسام الكاريكاتيري (محمد سباعنة).
وفي البحرين ونتيجة للانتفاضة الشيعية المتواصلة فيها فإن قمعا منظما للصحافة والصحفيين يجري على يد السلطات الأميرية فمناسبة الذكرى الثانية للانتفاضة الشيعية في البحرين، قامت السلطات باعتقال العديد من الصحفيين الذين قاموا بتغطية مناسبة الذكرى الثانية للانتفاضة.
في ليبيا يعيش الصحفيون في محنة ولأجل خلاصهم منها فإن المعركة سجال بينهم وبين أعداء الكلمة الحرة والصحافة الحرة وليس أدل على ذلك احتجاب الصحف اليوم عن الصدور يوم 12/3/2013 احتجاجا على الممارسات القمعية ضد الصحفيين والصحف.
في الختام، آمل أن أكون موفقا في الإجابة على السؤال: أين يقع جحيم الصحفيين في العالم؟