في كل يوم نزيف دم .. وضحايا يشكون الى الله من قتلتهم .. فيما ولي الدم ، لا يتحرك ولا ينتفض ولا ينتقل الى موقع الجريمة، وكأنه يريد ان يقول : ان هناك فرقاً بين دم ودم، لا ، وانما لعله كان يحاول من خلال إعلانه التأريخي :”انا ولي الدم”،ان يسبق إعلان مفوضية الانتخابات ببدء الحملة الانتخابية.. وربما لا هذه ولا تلك ، وانما كان يسعى للتصعيد ضد احد مكونات الشعب العراقي، معلناً الحرب عليها ، اودعونا نخفف من وطأة الكلمة، فنقول تأزيم العلاقات معها، ضمن الخطة الحكومية التي تعتمد على الازمات، في مسيرتها الممتدة الى ثماني سنوات، ولعل خاتمتها علقماً، إذا ما تحققت غايتها المثلى بتعطيل كل المؤسسات التشريعية والرقابية من خلال اعلان حالة الطوارئ ، آسف.. حتى لا يزعل اعضاء ائتلاف الحكومة .. اقصد قانون السلامة الوطنية.
قبل يومين ، حدثت جريمة في اللطيفية ، ليست هي الاولى، ولن تكون الاخيرة بالتأكيد، راح ضحيتها ستة شهداء.. اعتقلوا ، اختطفوا ، ثم اعدموا، وكل ذلك تم في دقائق معدودات، وكان أحد الضحايا لم يبلغ الحلم بعد، ولعله لم يتوقع أن يتحوا إسمه الى تهمة، عقوبتها، 4 إرهاب، أقصد الإعدام، لكن في العراق الجديد كل شيء جائز، ومثلما كان من الحب ماقتل، أصبح من الاسماء ما قتل.
اما القتلة ، فمثل كل مرة ، نفذوا جريمتهم تحت غطاء أمني، وضيعوا كل اثر .. حتى لا يعرف لما قَتل والمجني عليه لما قـُتل.
واكتفى الراوي يا سادة يا كرام، على توجيه اصابع الاتهام الى ميليشيات عائمة ، لا وجه لها ولا صورة، لكنها تملك كل ادوات القوة، والقدرة على تبادل الادوار، بدءا من الظهور بالبزة العسكرية، مرورا باستخدام الهمرات العسكرية ايضا، والاسلحة الخاصة بقوات الأمن، إضافة الى سيارات الدفع الرباعي المرقمة وغير المرقمة، التي تمنحها هيبة السلطة في تجاوز كل السيطرات، من الممرات العسكرية، التي تختزل من خلالها الوقت والمسافات الى حيث الهدف المطلوب، الذي يحاكم فيه “ولد الخايبة” من دون أن يمنحوا حق الدفاع أو معرفة التهمة في أقل تقدير، وبعد أن ينفذ الحكم البات القطعي، الذي لايقبل إستئنافاً ولا تمييزاً، ويترك الضحايا على أرض المحاكمة، ينسحب الجناة من مسرح الجريمة ، ويتوارون عن الانظار ، تحت غطاء أمني، فيما ينشغل ذوو الضحايا في تجهيز موتاهم ودفنهم.. وتستمر الحكاية.
لكن مهلا، القاتل يعرف من يقتل ، والمقتول يعرف سر اندفاع قاتله الى قتله، فهناك مشروع قائم على التصفية الطائفية منذ سنين، ونيات مبيتة لتغيير ديموغرافية المناطق والمدن ذات المكون الواحد.
ولعل الهجمة اخذت بعدا جديدا مع اقتراب موعد الانتخابات، حتى باتت الاحداث تتلاحق مسرعة، اعتقالات ، ودهم للمنازل، والمساجد هنا، وقصف بالطائرات والمدافع هناك، وعمليات مختلطة لا يعرف فيها الشرطي من الحرامي، رجل القانون من القاتل الأجير، وبعد ان نضجت فكرة الانتقام ، واعلنت وجهها الكالح صراحة :”سبعة بسبعة”، ادرك المواطن ، حقيقة استهدافه في ظل سياسة العزل التي يجري تنفيذها عليه طائفيا ، ومناطقيا وعشائريا ، بل وحتى على الاسم، واللقب، ومع كل يوم يشتد الخناق وتشتد العزلة، حتى لا يصل احد الى صندوق الاقتراع.
لكن بعيدا عن كل الافتراضات .. دعونا نبقي شيئا من حسن النية ونتساءل ببراءة : لماذا لم يذهب ولي الدم الى اللطيفية .. ولماذا لم يقف مع اهالي الضحايا .. ولماذا لم يعلنها من موقف الحدث :”أنا ولي الدم”؟.