ما أن أعلن السيد رئيس الوزراء الحرب على الفساد ، حتى تنادت وسائل الإعلام حول هذا الإعلان وأخذت هذه الوسائل تتساءل عن الإجراءات التي يمكن للسيد العبادي أن يتخذها إزاء ملف الفساد والذي لم يكن بالجديد ، فالقصة بدأت مع الأيام الأولى للاحتلال ، ومنذ ذلك الحين والحديث لم يتوقف عن وجود فساد في مختلف الدوائر والوزارات، وهناك تحركات لاستجواب عدد من الوزراء، لكن ثمة معوقات تقف أمام استجواب بعض الوزراء التابعين للأحزاب الماسكة بالسلطة، الذين تم تنصيبهم استنادا إلى نظام المحاصصة التي اعتمدتها العملية السياسية في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003.
الفساد في العراق ليس كغيره من الدول ، فالفساد في العراق ما عاد حالة استثنائية بل بات أسس وقواعد متينة لا يمكن لأي قوى ان تضرب به أو تحاول كسره ، كما أن الفساد في العراق أخذ يُستخدم كسلاح في ضرب أركان الحكم في البلاد ، ناهيك عن كون الفساد في العراق يقاس بالمليارات والتي بلغت الأموال المهربة إلى الخارج أكثر من 123 مليار دولار ، كما أن الفساد في العراق من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب، فكانوا القدوة لغيرهم من الفاسدين .
الفساد في العراق ليس إساءة استعمال السلطة للحصول على مزايا شخصية أو حزبية كما تقول منظمة الشفافية الدولية إنما هو توظيف السلطة لممارسة الفساد وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة ، كما أن سبب الفساد في العراق فساد الساسة، والفساد السياسي في العراق هو من أكبر انواع الفساد وأخطرها ، ويعد مثل هذا الفساد من اختصاص السياسيين أنفسهم ، فهم المحتكر الوحيد لهذا النوع من النشاط في العراق ، لهذا فان الفساد في العراق لم يعد محرجاً أو يخجل منه الفاسدون ،بل بات آلة قوية تحدد وتشرعن القوانين ، وتحمي النافذين ، وتعاقب النزيهين وأن من يمارسون هذا اللون من الفساد ، لا يخافون العقوبة والقانون ، لأنهم من يصنع العقوبة والقانون .
أن معركة المواجهة مع الفساد مفتوحة ، ويشترك فيها النزيه والسارق ، ومن هنا فلا يوجد أمل على المدى القريب في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي تنخر بالمؤسسات الحكومية ، تحت ظل بنية الفساد هذه، فالمؤسسات الرقابية والمالية هي الأخرى متهمة ، وتواطأ الجميع على انتشارها ، كما أن عجز القانون يلعب دوراً فاعلاً في تفشي ظاهرة الفساد من خلال ضعف سلطة القانون وانعدام تطبيقه بعدالة، وضعف المهن القانونية وغياب الدور التوعوي لمنظمات المجتمع المدني، لذلك فان مشروع محاربة الفساد في العراق بالوقت الحالي أصبح ضرورة ملحة جداً ومهمة ليست بالسهلة إطلاقاً ، لهذا فالمسؤولية ليست فردية بقدر ما هي عمل جماعي من أجل إنقاذ البلاد من سرقة الفاسدين ، وسقوطها بيد حيتان السياسة وسراق المال العام ، وإلا فأن أي خطوة بهذا الاتجاه ، تمثل ذر الرماد في العيون لا أكثر .