في مقابلة مع وكالة الانباء الفرنسية، طلب وزير الداخلية جيرار دارمنان من الحكومة الامريكية تقوية أواصر التعاون بين فرنسا والولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب اذ قال الوزير اننا جئنا لنذكرهم انه بالنسبة للأوربيين ولفرنسا فأن الخطر الأول هو “الإرهاب الإسلامي ” وفي وقت انشغال الامريكان بالاحتجاجات الوطنية للاستعلائيين البيض وتكرار عمليات اطلاق الرصاص والتآمر، عليهم ان لا ينسوا ما يبدو لنا في فرنسا واوربا كخطر اول يتمثل “بالإرهاب السني” مؤكدا انه سيستأنف مجددا وسيستهدف فرنسا وجيرانها بمناسبة تنظيم مناسبات مثل دورة الألعاب الأولمبية العام المقبل ومباريات كأس العالم للركبي وزيارة البابا فرانسيس لمدينة مارسيليا. لكن اين هو “الإرهاب السني” الذي يتكلم عنه وزير داخلية فرنسا الذي يطمح لمنصب أرقى من منصبه الحالي؟ اول ما يلاحظ على كلام الوزير في مقابلته للوكالة الفرنسية انه ينسخ تعبير “الإرهاب الإسلامي” الذي ابتدعه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة للهيمنة على العالم واستعملوه في عمليات إرهابية تعد اليوم من العمليات الخاصة بالدولة لشن الحرب على أفغانستان وبالأخص غزو العراق وتدميره ليلصقه على الاحداث الحالية باستخدام تعبير “الإرهاب السني”. فهل يبشر وزير الداخلية العالم كما فعل جورج بوش بصفحة حرب أخرى أكثر صراحة وتحديدا تستهدف المسلمين وبلدانهم وهي “الحرب على الإسلام السني”؟ يأتي تصريح جيرار دارمنان في خضم حملة واسعة في الاعلام الفرنسي والغربي ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبالتحديد من الولايات المتحدة التي أصدرت بشكل غريب هي وثمانية دول اوربية قبل موعد الانتخابات تحذيرات سفر بشأن هجمات إرهابية محتملة في تركيا، وقبل ذلك دعى رئيسها بايدن خلال فترة ترشحه للرئاسة الى اسقاط الرئيس التركي بالانتخابات وما تلاه من تدخل مستمر وبين الفينة والأخرى في الشأن التركي وفي الانتخابات الأخيرة بالذات. اذ لم يحصل ان تتدخل دول في أي انتخابات في العالم كما تدخلت الولايات المتحدة واوربا في انتخابات الرئاسة التركية بتصريحات مثل لا تنتخبوا اردوغان التي خرجت من أكثر من مصدر مسؤول في الحكومة الامريكية منهم السفير الأمريكي في انقره ، اما في فرنسا فقد ركز الاعلام بمختلف توجهاته السياسية منها قناة مجلس الشيوخ على انتخابات تركيا داعيا الى مغادرة الرئيس اردوغان الحكم، وتردد نفس الكلام من شخصيات يمينية معروفة لها جمهور واسع مثل “شارل كاف” الذي وفي مقابلة قال ان على اردوغان ان يرحل، دون الكلام عن اغلفة بعض المجلات مثل لوبوان وشارلي ايبدو التي تصف الرئيس اردوغان بالرئيس الروسي بوتين وبالدكتاتور. لذا يبدو ان كلام وزير الداخلية دارمنان حول “الإرهاب السني” هو اعلان قبول ومساندة فرنسي لكل ما تقوم به الولايات المتحدة ضد الرئيس اردوغان ورسالة إضافية للشعب التركي وللناخبين الاتراك بعدم انتخابه بل دعم التصويت للمرشح كمال كليجدار اوغلو الذي صرح وهو من يدعي العلمانية بأنه “علوي” في احدى خطاباته امام اتباع أحزاب الطاولة السداسية المعارضة. وهو ما يتعارض مع حيادية الدولة العلمانية في فرنسا التي يقوم وزير داخليتها بالتنصل من مبدأها هذا لدعم تيار دولة أخرى يجاهر بطائفته ليفوز بأصوات ملايين من اتباع هذه العقيدة في الانتخابات، إضافة الى ان مثل هذا الكلام يعتبر تدخل واضح في شؤون دولة ذات سيادة وفي سير انتخاباتها الديمقراطية. لقد أشادت بعض الصحف الفرنسية بعد الجولة الأولى للانتخابات التركية بسلاسة وإدارة هذه الانتخابات بصورة صحيحة لا غبار عليها وبالنسبة العالية للمشاركة فيها والتي اختفت في بعض الدول الديمقراطية منها بالتحديد فرنسا التي هبطت فيها مشاركة الناخبين في الانتخابات الأخيرة الى اقل من نصف من يحق له الانتخاب بل ان الرئيس ماكرون نفسه قد تم انتخابه بفضل مرشحة اليمين المتطرف ويقول الفرنسيون اننا لم ننتخبه بل اننا صوتنا ضد “مارين لوبن”، وتتكلم الأحزاب السياسية الفرنسية عن ازمة ديمقراطية تجتاح البلاد بسبب تمرير قانون اصلاح التقاعد الذي يرفضه الشعب الفرنسي بغالبية 89% !
ان استخدام حجة الإرهاب وبالأخص ما سمته ادبيات المحافظين الجدد واتباعهم في اوربا “بالإرهاب الإسلامي” واليوم يسميه وزير الداخلية الفرنسي “بالإرهاب السني” لتمرير سياسات الهيمنة الغربية على المنطقة العربية وعلى ثرواتها، أصبح الطريقة الأمثل للحكم لبعض دول وحكومات الأطلسي التي تحلم بالهيمنة على مقدرات الدول الغنية وتسيير دفة الحكم فيها لأنه يسمح بتوفير الغطاء الشرعي لكل القرارات غير الشعبية وغير الديمقراطية حتى الداخلية منها بدءا من نظام الطوارئ المشرع منذ احداث أيلول 2001 والمستمر ليومنا هذا الى قرارات تقنين الحريات والتعبير والمجتمع المدني والتضييق على المسلمين دون غيرهم من المكونات وهو ما يؤشر لمشكلة ديمقراطية حقيقية تشي بطريق مسدود لمثل هذه التوجهات والبقاء في أوضاع جامدة لا تتغير بدورات انتخابية متعاقبة تقل فيها المشاركة الشعبية لفقدان الثقة بالأحزاب والشأن السياسي الذي تديره نفس النخب. ان استخدام تعبير “الإرهاب السني” من وزير الداخلية الفرنسي هو رسالة ودعاية انتخابية مبكرة له لكي يحظى مستقبلا بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. لقد اثبت جيرار دارمنان “فعالية” و” نجاح “في إدارة وزارة الداخلية وبالأخص في قمع تظاهرات السترات الصفر والاحتجاجات ضد قانون الرئيس ماكرون لإصلاح نظام التقاعد وملاحقة المسلمين من غلق الجوامع والجمعيات وأخيرا طلب دوائره عدد الغائبين من المسلمين في عيد الفطر في بعض المدارس الحكومية وهو ما استهجنه الكادر التعليمي ووزارة التربية وبعض السياسيين ومنظمات حقوق الانسان واعتبروه محاولة لوضع قوائم للطلبة المسلمين في خرق للقوانين ولمبادئ الدولة الفرنسية في العلمانية والمساواة وتجاوز على القانون الذي يسمح أصلا للطلبة بموجب منشور عام 2004 بالغياب عن الدوام اثناء الأعياد. وما يؤكد طموح جيرار دارمنان ورغبته للوصول الى منصب اعلى مستقبلا هو تصريحه لنفس المصدر الأول وفي نفس المقابلة والتي يقول فيها ان الولايات المتحدة قد أخطأت بانسحابها من أفغانستان وكذلك فعلت فرنسا لانسحابها من شريط الساحل الصحراوي، وكذلك الكلام من جديد عن أعادة تشكيل “مجاميع لتنظيم الدولة الإسلامية” التي قال عنها الرئيس الأمريكي ترامب انها انتهت بعد تدمير الموصل بحجة وجودها فيه، اذ يبدو كلامه مشروع استهداف جديد لمدننا في شمال العراق وسورية وتركيا باستخدام خلايا تابعة لقوات التحالف كما حصل في الموصل ليكون للقوى الأطلسية مستقبلا موطئ قدم في المناطق المزمع احتلالها وجعلها تحت السيطرة وربما تحت وصاية معاهدات جديدة تحل محل تلك القديمة التي تريد تركيا التحرر من قيودها لترجع لها سيادتها بعد نفاذ وقتها في الأشهر المقبلة.
هل هناك شك بعد كل هذا الاستخدام “للإرهاب المصنع” ومنه “الإرهاب السني” الذي يتكلم عنه الوزير الفرنسي للهيمنة على دولنا ومنطقتنا بحقيقة هوية الإرهاب؟ هل هناك شك بأن المنظمات الإرهابية التي وجدت بعد غزو العراق هي ليست منظمات محلية بل ان صناعها وقادتها هم المحتلون بأنواعهم ممن يستعمل العمالة المحلية والدولية من ارجاء العالم ويستغل بؤس بطالتها وفقرها ليجعل منها أدوات إرهابية تحت يافطات دينية وطائفية ووطنية وتحررية يختبؤون ورائها ليزورا الحقائق والتاريخ ويخدعوا العالم ويشوهوا القيم النبيلة في المقاومة والتحرر والعيش بكرامة في الأوطان.