هو أول مسؤول عراقي يحمل شهادة الدكتوراه ,باني النظام التعليمي الحديث بعد أن كان في قبضة الملالي لعشرات السنين , هو آخر وزير للخارجية في العهد الملكي السيد (محمد فاضل الجمالي 1903-1997) الدبلوماسي من الطراز الممتاز.
إذا كان العراق من المؤسسين القلائل لهيئة الأمم المتحدة عام 1945 فان (الجمالي) هو الذي وقع على إعلان قيامها في مؤشر يعكس قوة الدبلوماسية العراقية وقوة هذا البلد حينذاك .
في إحدى زياراته الاعتيادية لمقر الهيئة الكائن في نيويورك وعلى بعد أمتار قليلة من بوابتها يتوقف الجمالي بعدما شاهد عدد من أفراد الشرطة يمسكون رجلا يبدي مقاومة بسيطة .
الجمالي :يا شرطي أنت أيها الشرطي نعم أنت تعال إلي من فضلك .
الجمالي للشرطي : ما هذه الضجة .. ما الذي يحدث هنا ؟.
الشرطي : هذا رجل يحاول الدخول للمبنى قمنا بمنعه لكونه لا يحمل صفة رسمية .
الجمالي :نادي عليه أرجوك.
الجمالي للرجل: لماذا تحاول الدخول للمبنى ؟
الرجل : يا سيدي أنا قطعت البحار والمحيطات حتى وصلت إلى هذا المكان بمشقة بالغة كي أناشد المجتمع الدولي عسى أن يمنح الاستقلال لبلادي .
الجمالي : من أي بلد أنت ؟
الرجل :أنا من تونس .
بفطنة وذكاء دبلوماسي عظيم أدرك الجمالي أن الرجل الواقف أمامه رجل محترم فيه الكثير من اللياقة ,الصدق , والمعرفة .
الجمالي : حسنا ستدخل معي وسأطلب من الحاضرين السماح لك بإلقاء كلمة على أن تكون موجزة وخالية من الشتائم أو التجريح ,اتفقنا .
التونسي :اتفقنا سيدي .
اعتلى هذا التونسي المنصة لاقيا كلمته باللغة الفرنسية أثارت إعجاب الحاضرين وقوبلت بتصفيق مدوي وعلى أثرها نالت تونس استقلالها طاوية بذلك صفحة الاستعمار الفرنسي الذي دام طويلا .
كتب لهذا الرجل أن يكون أول رئيس على تونس بعد جلاء المستعمرين الفرنسيين انه ( الحبيب بورقيبة ) ,مؤسس المدنية في بلاده,منشئ أجود الأنظمة التعليمية على مستوى المنطقة وصاحب أرقى قوانين الأحوال…سألوه مرة :ما لذي بينك وبين الإخوان المسلمين أجاب :بيني وبينهم 1400عام .
دارت الدائرات على الجمالي وإذا به يواجه عقوبة الإعدام شنقا حتى الموت بعد بضعة أسابيع من الإطاحة بالنظام الملكي على يد الثنائي (عبد الكريم قاسم ) و (عبد السلام عارف ) بالتهمة الجاهزة تهمة العمالة .
قبل تنفيذ الحكم يوجه ( قاسم )دعوات لعدد من الرؤساء والملوك لزيارة العراق كان من بينهم (الحبيب بورقيبة )الذي رد على الدعوة بقوله : (لن ازور بلدا يقتل الجمالي) وسط تنديد واستنكار المجتمع الدولي لقرار الحكم فالجمالي ليس بالقليل مما اضطر (قاسم ) إلى تخفيف الحكم إلى الحبس المؤبد ثم أطلق سراحه فيما بعد مغادرا البلاد إلى سويسرا .
هذه كانت الدبلوماسية العراقية…أين كنا وأين أصبحنا اليوم ؟