في كل أوروبا يتعامل الناس بأجزاء العملة المعدنية، فالسعر لا يكون قط 10 يورو، بل 9,99 يورو، بما يجبر الناس على التعامل العملة المعدنية أما عندنا، فبات مألوفا أن يعطي الآباء لبنيهم يومياتهم بعملات ورقية، البعض يجعلها 500 دينار، وآخرون يجعلونها 1000 دينار.
منذ سقطت هيبة الدولة نتيجة ديكتاتورية الحاكم والجمهوريات الوراثية، شاعت في المنطقة العربية ظاهرة صهر العملات المعدنية بعد أن ارتفعت معدلات التضخم الى مستويات خيالية، وهكذا بات الناس في العراق وسوريا واليمن وليبيا يذيبون العملة المعدنية ويحولونها الى معادن مصهورة يستخدمونها لأغراض صناعية فيكون مردودها المادي أكبر من مردودها النقدي.
العراق بداية انهيار المسكوكات !
نشأت هذه الظاهرة أولا في العراق في سنوات الحصار الاقتصادي، في تسعينيات القرن العشرين، حيث انهارت قيمة الدينار أمام العملات الدولية وتحول الى 0.01 من قيمته الحقيقية بسبب قيام نظام صدام حسين بإصدار عملات بمليارات الدولارات دون غطاء نقدي. وأخذ الناس يجمعون العملات النقدية من فئة ( 1 فلس، 5 فلوس، 10 فلوس، 50 فلسا، 250 فلسا، 500 فلسا) ويذيبونها ليستفيدوا من مصهور معادنها في تصنيع اشياء يضخونها للسوق الفقير المحروم من كل شيء.
بعد عام 2003، اختفت العملة المعدنية تماما من التداول في العراق وحلت محلها عملات ورقية استطاعت بفضل الدعم الأمريكي أن تحافظ على قيمتها إلى حد ما، فاستقر الدينار لمدة 15 سنة أمام الدولار.
سوريا تلغي الليرة المعدنية في 2013
في سوريا التي مزقتها الحرب منذ أكثر من 6 سنوات، تتحدث تقارير مسربة، عن قيام مجموعات صناعية متخصصة بإذابة العملة وتحوليها الى معادن في البلد الذي تراجع اقتصاده بشكل كبير وانهارت عملته بشكل متسارع.
كرد فعل على ذلك، سحبت الحكومة السورية العملة المعدنية من فئة /1/ ليرة سورية من التداول بشكل نهائي، وذلك اعتباراً من تاريخ 27/11/2013 بموجب القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي بهذا الخصوص، وبذلك تكون العملة المعدنية المذكورة لا قيمة لها عند من يمتلك مبالغ معينة منها.
واستمر تدمير العملات من فئة ( ليرتان، 5 ليرات، 10 ليرات، 25 ليرة) بوتيرة عالية، حتى بات من الصعب العثور علها في أي مكان.
اليمن التهريب بدلا من التذويب
اليمن التي لا تملك قاعدة صناعية ، يلجأ كثيرون في ظل انهيار الريال بشكل متسارع ، الى تهريب العملات المعدنية بشكل صفقات يلفها الفساد الى دول عربية ومنها الى الصين حيث تقوم مصانه بصهرها واعدة تصنيعها. وقد كشفت مصادر في مطار صنعاء عن ضبط 225 الف ريال من عملات معدنية بحوزة شخص يدعى طه سعيد محمد الحاج ( وهو فلسطيني يحمل جواز سفر عراقي ويعتقد انه مولود بالعراق حسب تقرير نشره موقع يمن برس) كان يقوم بتهريبها عن طريق المطار. حدثت الواقعة بتاريخ ( 16شباط/ فبراير 2013) وبعد التحري ظهر ان المهرب المذكور مخول من المصرف المركزي اليمني بنقل المبلغ يدويا عبر المطار الى مطار عمان في الأردن . واعترف المذكور أنه سبق ان نقل عدة شحنات بألوف الريالات لتصل وجهتها الأخيرة في الصين حيث يعاد تدويرها وترسل الى اليمن حسب أقواله.
ليبيا التستر على المسروقات بإصدار عملات جديدة !
في ليبيا التي تعيش منذ عام 2010 بشكل مدن وأقاليم متحاربة تحكمها في الغالب تنظيمات اسلامية مرتبطة بالقاعدة والدولة الاسلامية، وأمراء الحرب الفاسدون، اختفت العملة المعدنية على يد عصابات متخصصة تقوم بإذابة العملات المعدنية واسلاك الهاتف وكابولات التيار الكهربائي ، ثم تقوم بشحنها وبيعها الى مصانع إيرانية تعيد تصنيعها لإنتاج العتاد الخفيف.
وقد سبق هذا اختفاء العملة المعدنية في عهد القذافي ابتداء من عام 1985 نتيجة انهيار قيمة العملة بسبب الحصار الدولي، ثم اختفت تماما عام 2005 ، إثر قيام شخص مجهول (يرجح أنّه أحد أبناء القذافي) بتهريب كل المسكوكات الى ايطاليا كما تحدثت تقارير مسربه غير موثقة. وكأجراء مضاد وبعد أن رفع الغرب الحصار عن القذافي الذي سلم مشروعه النووي والتسليحي كاملا الى المراقبين الدوليين في عام 2009 اقدم العقيد معمر القذافي على اصدار عملة جديدة في ذلك العام من فئات 100 درهم، 250 درهم، 50 درهم. لكن العملات من فئة 10 درهم و20 درهما فقدت الى أبد. وبعد إفلاس البنك المركزي الليبي عاد الليبيون الى استخدام العملة الورقية التي تحمل صورة القذافي والتي كانوا قد نبذوها في بداية ما عرف بالربيع العربي .
وكشف مصرف ليبيا المركزي، مطلع نيسان/ ابريل 2015 عن إصدار عملة معدنية من فئات محددة مبينا المواصفات الفنية للعملة الجديدة من فئتي 100 درهم و50 درهم، حيثُ عمم رسومات توضيحية لها تبين الشكل العام للعملة الجديدة ولونها، والرسومات والأشكال الفنية الموجودة على وجهي العملة من الأمام ومن الخلف.
قانون غريشام (Greshams Law)
قانون غريشام هو الذي يتحكم في تداول وسوق المسكوكات. ويتلخص هذا القانون في العبارة المشهورة “النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق” ذلك أنه في البلاد التي يجري فيها تداول نوعين من النقود القانونية أحدهما رديء والآخر جيد فإنّ الرديء يطرد الجيد من التداول بين الناس، وقد لاحظ غريشام هذه الظاهرة في بلاده إنكلترا كلما ضربت نقود جديدة لتحل محل نقود قديمة متآكلة، حيث أن النقود الجديدة لا تلبث أن تختفي من التداول، ويعود السبب في ذلك إنه طالما كانت للنوعين من النقود نفس القوة الشرائية تجعل الشخص مخيرا في أن يؤدي ما عليه من ديون أو تسديدات نقدية بالعملة الرديئة أو الجديدة فإنه يعمل على تسديدها بالعملة الرديئة مستبقيا العملة الجديدة عنده بعيدا عن التداول في السوق، ولا يستعمل في مدفوعاته سوى العملة الرديئة، ولنفس السبب يكون الدائن ملزما بقبولها، ولو رفض الدائنون ذلك وطلبوا العملة الجديدة لعمل القانون بشكل عكسي، بحيث تصبح العملة الجديدة هي التي تطرد العملة الرديئة.
إذا ضربت النقود الجديدة لتحل محل القديمة المتآكلة فإن النقود الجديدة التي يكون وزنها كاملا تختفي من التداول لاستخدامها للأغراض المذكورة أعلاه وبذلك تبقى في التداول النقود الرديئة فحسب، طبقا لما ورد في تعريف نشره موقع “إيكونومك دسكشن”.
إذا ضربت نقود جديدة تشتمل على كمية من المعدن الخالص أقل مما تشتمل عليه النقود القديمة التي تتعادل معها القيمة الأسمية. فإن النقود القديمة تبدأ في الاختفاء من التداول في السوق، ولا تبقى فيه سوى النقود الجديدة، وقد حدثت مثل هذه الظواهر في القرون الوسطى عندما كان الحكام يسكّون النقود بأوزان مختلفة أقل من أوزانها القديمة كلما اضطربت الأحوال الاقتصادية في بلادهم.