17 نوفمبر، 2024 2:49 م
Search
Close this search box.

أين سيماء الديمقراطية في قانون الجرائم المعلوماتية ؟!

أين سيماء الديمقراطية في قانون الجرائم المعلوماتية ؟!

من المتعارف عليه ان الحكومات حين تصدر قوانينا ترتبط بحياة الناس وبكل المعايير المتعلقة بهم , ينبغي أن تكون قريبة من شكل النظام سواء كان جمهوريآ او ملكيا دستوريا او برلمانيا اتحاديآ .. الخ .
لهذه القوانين اهمية , إذ انها تحمي البلاد والعباد من كل شر وبلاء وتلبسهم ثوب العزة والمنعة , لذلك يتعين على المشرّع ان يضع لها من نظام الحكم بعض سيماء لتؤسس الى خير الاجيال اللاحقة .
ففي العراق الحبيب , تسعى حكومة السيد الكاظمي منذ توليها الشأن السياسي في السابع من مايس 2020 الى اجراء التغيير والإصلاحات الشاملة في جميع المؤسسات الحكومية بما يخدم تطور البلاد في النواحي السياسية والاقتصادية وبناء القوة العسكرية . وهكذا وجدت الناس وبعض القوى السياسية ان للسيد الكاظمي مناقب حميدة ماتجعله يغسل بها وحل الفساد الذي غطس به العراق منذ 2003.
وفي الواقع بدأ الرجل يفعل ذلك بأستراتيجية المواجهة المباشرة متصورآ انها اقصر الطرق الى تحقيق ذلك , ولكن كانت القوى المضادة اكثر قوة منه على سحب العراق وإبقاءه في ذلك الوحل ليأخذ الكاظمي فأسه ومجرفته الى تربة أخرى ليجرب استراتيجية ثانية لعملية إصلاحها مع أنه فاز بعض الشيء بتجربته الأولى في إظهار مخالب الأسد ونيله التبجيل من بعض القوى التي وقفت معه ضامنة وكفيلة لنجاح تلك التجربة .
الأستراتيجية الثانية كانت على اساس التعامل مع غريم الأستراتيجية الأولى بالإيواء والإقالة ولكن بقلب سعير اذا جلجل بالإساءة وعمد الى سوء المصير . ويبدو أن احد محاورهذه الأستراتيجية هو العودة الى إحياء إصدار قانون الجرائم المعلوماتية الذي يمنع اي فاعل تحت حجاب حرية التعبير ان يدرك قصده في تخريب عملية الانتخابات المبكرة وجعلها كسابقاتها محض تزوير .
ولكن المدهش ان هذا القانون لم يكن بدرآ ليستحق التهليل والتكبير من قبل الجماهير , بل وجدته يطأطأ الرؤوس ويحتاج الى الكثير من التفسير وبالأخص المادة 3 اولآ الفقرة أ التي تقول : يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لاتقل عن 25000000 ولا تزيد عن 50000000 مليون ديناركل من استخدم عمدا اجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد ارتكاب احدى الافعال الآتية :
أ – المساس بإستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الأقتصاديةأو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا .
فهل تعني هذه الفقرة المقتضبة والغامضة ان المواطن مكرهآ على قبول كل ماينجم عن الحكومة من السياسات المذكورة ولايحق له انتقاد اي اتفاقية او معاهدة او نهجآ يخالف الاعراف او تعاليم دينه الحنيف كالتطبيع مثلآ مع الكيان الصهيوني أوالتفريط بممتلكات الدولة وبناها التحتية وبحقوقه الجغرافية التي تعرض للتصويت تحت قبة البرلمان الخاضع لقوى البعض من الاحزاب التي تنتهج نهجآ يقف بالضد من تطلعات الشعب وهو نفسه السيد الكاظمي قال عنها انها تحاول الابقاء على العراق في حالة الفوضى لتستمر بالعبث بمقدرات البلاد وإن لم يسمها بأسمائها ؟!
إذآ , ليكون العزم على الإصلاح وعلى التغيير الشامل صادقآ بالدعوة اليهما جنبآ الى جنب مع الإستماع لرأي الشعب التلقائي أولآ , والرأي هنا من سمات الديمقراطية بالبلاد , ويذلل الصعاب وهو وحده القدير على ذلك , ووحده الذي يقود البلاد الى الثبات على الأخلاق ويبذر بذور الحب بين الأطياف .
أما القانون الخالي من حل الإشكالات في البلاد , والخالي من الفقرات الفاضلات الساعيات للعدل بلا حجب ومستور ومن دون ان يهتف لها ولمشرعها الجمهور بالترحيب , فهي إنما فقرات قانون لا يثمر غرسه عن حسنات , بل تثير الشكوك وتبعث في النفوس الحسرات نفسها التي بعثتها كتابة الدستور الحالي , إذ مازالت الجماهير تدعوا الى إعادة كتابته لطوي ظلال ذنوبه على البلاد وبعث الأماني في نفوسها بكل اطيافها ليضوع عطر البلاد أينما رفعت رايته .
ولعل سائل يسأل : ماهو الحل الأصوب للتخفيف من أشعة القانون وحرارته اللاذعة على الجماهير ؟ الحل كما يراه المراقبون هو أن يكون مهوّنآ على مشاكل المجتمع ويختص بمسألة حماية الأنتخابات المبكرة فحسب , بعيدآ عن أي فقرات أخرى كامنة بالعقوبات على حساب حرية الرأي لأن الجميع بالنهاية راجعون اليها بعد النزول من سلّم السلطة , إذ هل تستطيع قوى المعارضة أن تنتقد سياسة الدولة تحت ظل هذا القانون أم تكون غير معنية به ؟ ومن ينبه الى اخطاء الحكومة ؟ اليس العلماء والمثقفين والكتاب من داخل البلاد والمعنيين بشؤونه ؟ أم أحدآ غيرهم ومن بلدان أخرى ؟
إذآ ينبغي في هذا التخصيص أن يعطي القانون الضمان والحق للأنتخابات النزيهة والدعوة اليها لأنها المرآة التي يرى الشعب فيها حقوقه كما يرى فيها المرشحون حقوقهم . والقانون في هذه الحالة ينجو من خيبة الظن وخذلان قوى الشعب الخيّرة له .
أما فيما يخص الجرائم المعلوماتية فيشرّع لها قانون آخر خاص , والحجة الى تشريع هذا القانون يجب ان تكون للرفق بالإنسان أولآ وحمايته مما يأخذ من وابل الشر في شبكة المعلومات ومن سم جودها , لينير أفق وعيه ليسمو بأخلاقه ويغدو سعيدآ بحياته , أما الفاسد الذي لايرعوي من القانون ويدفعه الفساد الى العبث بالمجتمع فله من العقوبات التي تثنيه عن عزمه وغيّه , وللجاهل الذي لايعرف الفتحة من الكسرة ويلهو ويلعب في مرعى شبكة المعلومات الخصب فله من العقوبات التي لا تتخطى المعقول , إذ بين العدل والظلم وفي ظل النظام الديمقراطي يجب ان تنطق فقرات العقوبات في كل قانون بالفارق بينهما .
والجدير بالاشارة إن الله سبحانه وتعالى قد وضع حصة من لغة العرب وسماتهم الأخلاقية في كتابه المبين وعلّم الإنسان كيف يشرّع القوانين التي تعلو به ويستجيب لها الآخر بصدر غير حانق . فأين سيماء الديمقراطية , بل أين حصة الشعب منها التي أقرها الدستور في هذا القانون لتأمن البلاد وتصان فيها الحقوق ؟! ومن غيرها إذا وضعت أمامها العوائق وانهارت وكان فقدانها منذ عهد ليس بعيد ماحقآ لرؤوس الأصنام ؟

أحدث المقالات