15 أبريل، 2024 5:22 م
Search
Close this search box.

أين سيقيم الله ساعة الحساب ؟!

Facebook
Twitter
LinkedIn

يحرص الشيعة؛ يصرون بشغف على مجاورة روضة الامام علي عليه السلام أمواتا مثلما حرصوا على أحتضانها أحياءً ، ابتلاه الله بهم، وابتلاهم به.
تقع مقبرة وادي السلام الكبير في الجانب الشرقي من مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في مدينة النجف الأشرف في العراق، وهي أعظم مقبرة من حيث المساحة و(السكان) في العالم. تشتهر الأماكن السياحية الطبيعية والعمرانية والاثارية بجمالها وروعتها وقدمها لكن لا أحد تخيّل يوماً وجود مقبرة لدفن الموتى يمكن ان تنال شهرةً عالمية وأن يقصدها السّياح للتعرف على تراثها التاريخي العريق. فهي ليست كأية مقبرة عادية، إنما تُعّد من أكبر المقابر في العالم، حيث تحتوي حسب ما قُدر على سبعة ملايين قبر، كما تتجاوز مساحتها حوالي الـ10 كيلومترات مربعة. أدرجت مقبرة “وادي السلام” ضمن قائمة التراث العالمي “اليونيسكو”، وهي تضم قبوراً للنبيين ادم ونوح وهود وصالح، ولعدد كبير من أولياء الله الصالحين، ومن صحابة رسول الله (ص) ومن العلماء الأبرار ومراجع الدين والمفكرين والمؤمنين الشيعة، الذين دُفنوا فيها منذ أن اكتُشف ضريح الإمام علي بن أبي طالب (ع) في عام 170 للهجري، كما تضم قبورا لعددٍ من الملوك الحمدانيين والجلائريين والصفويين والأمراء والسلاطين، بما في ذلك مدفن الملك الشهير “النعمان بن المنذر” الذي حكم دولة المناذرة المسيحية. وعلى الرغم من أن معظم المدفونين في مقبرة “وادي السلام” من الطائفة الشيعية، غير ان فيها المسيحي والمسلم السّني، والعربي والأجنبي، حيث كان لمجاورتها مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) دور كبير في منحها هذه المكانة. كما يقال أيضاً في بعض الروايات أن “وادي السلام” هي بقعة من بقاع جنة “عدن”، وأن أرواح المسلمين جميعها تجتمع مع بعضها في هذا الوادي العظيم. تضم مقبرة وادي السلام نوعين من المدافن، فهنالك قبور يصل إرتفاعها الى اكثر من مترين، وهنالك أيضاً سراديب يصل عمقها من 5 الى 7 أمتار تحت الأرض، وبحسب بعض المصادر يقال أن سبب تسمية المقبرة ( السلام ) يعود الى الملك جبرائيل (ع)، ويقال أن من يدفن فيها يسلَم من عذاب “عالم البرزخ” وحسابه. وتشير التقديرات الى ان مقبرة “وادي السلام” تستقبل اكثر من 50 ألف جنازة كل عام من داخل العراق وخارجه.

اشتد الزخم على مقبرة النجف الاشرف ابتداءً من ايلول 1980 حين أوقد صدام أتون الحرب الطاحنة مع جمهورية أيران الاسلامية، اذ صار وقودها معظمهم او كلهم من شيعة العراق كونهم يشكلون نسبة 67% من سكانه ولأنهم الحلقة الاضعف المستهدفة على مر العصور، وضحايا استبداد خلفاء وسلاطين وحكام وامراء الجور: الامويين، والعباسيين والعثمانيين، والصداميين.

(فليفل) شاب أسمر من شباب مدينة الثورة (مطرب) يدير فرقة غناء شعبي تحيي حفلات الاعراس في المدينة، ومنذ ايلول 1980 توقف عمله تماما، اذ كانت ازقة مدينة الثورة تغص بمجالس العزاء؛ بينما جدران بيوتها ومدارسها وحسينياتها ومستشفياتها واسواقها تتوشح بالسواد تنعي الوف الشباب المظلومين وتعزي الوف العوائل المفجوعة.

(فليفل) معاق ولذا فلت من طاحونة حروب صدام العبثية.. وكونه لا يجيد غير الغناء -الذي نسيته اذان العراقيين، واستبدلته عيونهم واصواتهم بالعويل والنواح– الجأته الفاقة والعوزالى اعمال البناء فادعى انه (اسطه) بناء ماهر. وبالكاد استأجرته ذات يوم أمرأة عجوز لبناء جدار بسيط يفصلها عن الجيران.

وبعد جهد.. وبصعوبة ومشقة وبعمل متواصل اكمل(فليفل) بناء الجدار وبعيوب كثيرة. رضيت العجوز على مضض وسلمته الاجور. بعد اسبوعين وفيما كان واقفا مع افراد فرقته يبحثون عن مصدر للرزق جاءته العجوز باكية، استقبلها مرحبا: ها خاله خير.. سلامات؟. أجابته يمه الحايط طاح. قال لها متفاجئا متجاهلا: هذا يا حايط؟!. قالت له: يمه الحايط الي انت بنيته قبل اسبوعين.

أجابها مستنكرا ومستغربا: أوووووووووو قبل اسبوعين؟ طبعا يوكع.. قابل هو طاك كسرى؟! حتى طاك كسرى هم كل سنة توكع منه صفحة.

استمرت الحرب ثماني سنوات عجاف سود، فيها النعيم والرفاه والجاه والرغد وعربات ويخوت الذهب، وقصور هرون الرشيد وحفلات البذخ لصدام وقومه، وفيها النواح والعويل والترمل واليتم لرواد علي عليه السلام والمزيد من القبور في وادي ابن عمران، تبعتها حرب الكويت ومشتقاتها وفجائعها وحصارها فكان لرواد علي السهم الاعظم وكان لمقبرته الحصة الاكبر.

حتى الذي نجى من تلك الحروب طارده الرفاق فوشموا جبهته، وصلموا أذنه، وجذوا لسانه وهدموا داره.

مات (فليفل) كمدا… كئيبا.. جائعا بعد ان قتل كل شباب فرقته في تلك الحروب العبثية.. وبعد ان طالت واوقفت عجلت الاعمال واصابت كل مباهج الحياة بالشلل.

استبشر اتباع علي بسقوط الصنم، حالمين بفجر جديد يحدوهم الامل بقادة من طبقتهم: ذاقوا معاناتهم، وتجرعوا نفس كؤوس الظلم والاستبداد، متعشمين فيهم الخير والصلاح عسى ان يعوضوا جزءا يسيرا من سني الذل والعوز والحرمان، لكنهم فوجؤوا بقادة جشع وانانية وفساد ساقهم القدر، فكانوا أسوء خلف لأتعس سلف.

والامر والادهى انهم فجعوا بهجمة بربرية وحشية مسعورة هوجاء قادها اخوتهم العرب والمسلمون مسخرين كل طاقاتهم المالية والمخابراتية والاعلامية، مستخدمين أبشع وأخس وأجرم ادوات الابادة من سيارات ملغومة، وبهائم انتحارية مفخخة، وعبوات والغام ناسفة، وصواريخ عاصفة. فاحرقت الاسواق ومعاهد العلم والمستشفيات والجوامع والحسينيات والكنائس، وملاعب الرياضة وتجمعات العمال وحصدت الوف الارواح طبعا في مدن ومحافظات الشيعة فقط!.

من ينبري لصد هجمة الاخوة العرب والمسلمين بعد ان صارت ثلاث محافظات غربية حواضن لهم وملاذات امنه ومصاهرات؟!. من ينبري لصد دواعشهم وحوش العصر بعد ان احتضنتهم مدن حزام بغداد؟. وكتبوا على جدران المباني والجسور: (للشيعة اللطم.. ولنا الحكم).. وصار امر سقوط العراق بايدي الدواعش مسألة ساعات؟!.. طبعا الشيعة.. والشيعة فقط: مرجعيةً وحشداً وجيشا وشرطة وطنية.

ولذا كان على مقبرة وادي السلام ان تستعد من جديد وبقوة لاستقبال روادها… ليحلوا ضيوفا عند أميرهم المظلوم علي ابن طالب لينفض غبار جبهات العز والكرامة والشهادة عن اجسادهم.. وليمسح علي ابن طالب عرق وجوههم السمحاء، ويقبل جبهاتهم الشماء.

المعركة مستمرة طالما الاخوة الاعداء لا يطيقون علياً ورواده.. قوافل الشهداء مستمرة… ومقبرة وادي السلام تزدهر.. تتسع.. تمتد.. وتمتد، وأغلب ظني أن الله تعالى سيقيم ساعة القيامة والحساب فيها!.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب