18 ديسمبر، 2024 9:04 م

في أعقاب وقف إطلاق النار لمعارك ما أطلق عليها بحرب الخليج الثانية سنة ١٩٩١ بدأت صفحة جديدة لمعركة من نوع آخر حملت عنوان (يعمر الأخيار ما دمره الأشرار)، فانطلقت حملات الإعمار في مختلف القطاعات لتأمين ما يمكن من شروط إعادة الحياة الى طبيعتها إلى أبناء المجتمع العراقي، فكان من أبرزها إعادة إعمار قطاع الكهرباء حيث سخرت لها إمكانات الدولة، إلى أقصاها، بهدف تشغيل ما يمكن من محطات الكهرباء وشبكاتها المتوقفة، وقد تم ذلك، بصفة تدريجية، على وفق خطوات عمل فعالة كانت نتائجها إعادة ما نسبته ٨٠ بالمئة من السعة المؤسسة للمنظومة الكهربائية، التي جرى تدميرها، بنحو شبه كامل نتيجة الغارات الجوية والصاروخية، التي استهدفت المواقع المختلفة لمكونات هذه المنظومة .
مع بدء هذه الحملات التحقت، من فورها، الملاكات الوظيفية إلى أماكن مؤسساتها لتسهم بإعادة الحياة لها ولتؤدي واجباتها تجاه خدمة المواطن، كما كانت، قبل العدوان وقبل أن يصيبها الدمار والتوقف نتيجة العمليات العسكرية وأحداث الفوضى، التي رافقت هذه العمليات وما تلاها، فكانت مظاهر التخريب والسرقات واضحة في الكثير من المرافق العامة إثر تنفيذ خطط خبيثة ممنهجة وظف لها الأعداء العديد من المتخلفين ناقصي الشعور بمسؤولية الانتماء الوطني حيث طالت أيديهم الشريرة كل ما يحتاجه المواطن من مراكز خدمية ولم تسلم من أفعالهم حتى المؤسسات الصحية، وقد أطلق على هذه الهجمة في حينها (صفحة الغدر والخيانة).
التحقت إلى ساحة عملي مع مجموعات من العاملين في محافظة التأميم/ ناحية تازة خورماتو حيث مقر مديرية شبكات كهرباء الشمال الشرقي ومركز السيطرة الشمالي (كنت، حينها، المدير الفني لهذه الدائرة) والتي تتبع المنشأة العامة لتوليد ونقل الطاقة الكهربائية إدارياً، آنذاك، فكانت الخطوة الأولى من متطلبات الشروع بفعاليات خطة الاعمار هي تفقد الموجودات وحصر الأضرار وتقييمها بهدف تحديد الحاجات البشرية والمادية للمعالجات، التي تؤمن إعادة العمل في المحطات الكهربائية والشبكات المرتبطة بها .
فوجئنا بخلو مرأب العجلات الخاص بالمديرية من أية سيارة من المخصصة لنقل الأفراد وكذلك العجلات الاختصاصية، التي كانت مركونة في زوايا موقع المديرية، كانت من ضمن السيارات المفقودة السيارة المخصصة لواجبات المدير (نوع لاندكروزر حقلية)، كان هذا على أثر مداهمة مجموعة من المسلحين المقر وسرقتهم الكثير من المواد المودعة في المخازن وكذلك عشرات السيارات المختلفة العائدة لهذه المديرية (هذا على وفق ما أدلى به عديد من سكنة المناطق القريبة لها).
هذه الحالة لم تثن العاملين عن مواصلة سعيهم في إعادة أعمار المدمر، بل مدّتهم بروح التحدي والإصرار، حيث تم تأجير العديد من السيارات الأهلية لاستخدامها في تنفيذ الأعمال ذات الأولوية ضمن الخطة الموضوعة.
أبلغت مديريتنا بأمر خاص يقضي بإعادة التيار الكهربائي إلى منطقة سرسنك الواقعة ضمن المنطقة الشمالية، التي تعتمد التغذية الكهربائية لها على محطة التحويل المتنقلة، والتي تم تنصيبها في مركز قضاء سرسنك.. توجهت مبكراً مع الفريق الفني مستقلين إحدى السيارات الأهلية المؤجرة العائدة ملكيتها إلى أحد المواطنين من سكنة ناحية تازة، التي يقع مقر دائرتنا قريباً منها، وما إن وصلنا إلى مشارف مركز القضاء المذكور، حتى فوجئنا بمجموعة من المسلحين تعترض سيارتنا (المؤجرة) وتطلب منا التوقف وتحت هذه الحالة المفاجئة (خارج الحسابات) اضطررنا للتوقف، عندها صادرت هذه المجموعة سيارة المواطن (المؤجرة) وغادرت المكان وإذا بكاتب هذا المقال ومعه أربعة من العاملين الفنيين يحلون ضيوفاً على قارعة الطريق، وبعد مسير طويل علًى الأقدام سخر الله لنا وسائل توصلنا الى إحدى (مراكز القرار) في المنطقة، تم إخبار الموجودين في هذا المركز بطبيعة مهمتنا الفنية وما تعرضنا له بسببها، وأخبرتهم أن إعادة التيار الكهربائي إلى منطقتهم مشروط بإعادة السيارة الأهلية، التي كانت تقلنا وكذلك سيارة المدير المفقودة من مرأب الدائرة في كركوك مع بقية العجلات، وبعد تناولنا وجبة طعام كريمة تم إحضار السيارة المؤجرة ووعدنا بإعادة السيارات الحكومية الأخرى ومن ضمنها (سيارة المدير)، عندها، تحركنا باتجاه موقع المحطة صحبة عديد من المسلحين المكلفين بواجب حراستنا وتمت إعادة التغذية الكهربائية إلى المنطقة، وقد حملنا بعبارات الاعتذار والثناء، التي خففت من متاعبنا في هذه المهمة الشاقة .