حينما نتصفح اروقة خلافة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ينتابنا الالم و الحسرة على تلك السنوات التي عاشتها الامة الاسلامية من السياسة المحكمة و الحنكة العالية التي كانت عليها حكومة تلك الشخصية التي تستحق أن نفتخر و نقتدي بها لما قدمته من خدمات جليلة للإسلام و المسلمين ، فأقول ما احوج شعوبنا العربية اليوم إلى ذلك الزمان الذهبي الذي انتشل الامة من ويلات الطائفية و مؤامرات المتأسلمين الطامحين بالكرسي و التسلط على رقاب المسلمين وسرقة خيراتهم بأي شكل من الاشكال ، فلولا حكمة عمر ( رضي الله عنه ) و عقليته الراجحة لكانت الجزيرة العربية في طي النسيان ولم تقم لها قائمة خاصة و أن رموز الفساد و دعاة النفاق كانوا يتحينون الفرص من اجل الانقضاض على الدولة الاسلامية و التمكن منها و السيطرة على مقاليد الحكم فيها لكن السياسة المحكمة و الصلابة الشديدة التي كانت ابرز قيم و مبادئ و استراتيجية دولة الخليفة الثاني ( رضي الله عنه ) حالت دون تحقق مآرب الطامعين في السلطة وهذا ما يدعونا إلى القول أن كل ساسة المسلمين يدَّعون أنهم يتولونَ عمر وهم من اتباعه ، فأين هم -إن كانوا حقاً كذلك -من عمر بن الخطاب و حكومته ؟
هل يحاسبون الفاسدين و السارقين لقوت الفقراء و اليتامى و الارامل و المساكين كما كان يفعل عمر مع ولاة و حكام دول المنطقة الواقعة ضمن حدود ملكه في ذلك الوقت أم أنهم يغضون الطرف عن فساد اتباعهم ؟ و الادهى و الأمر أنهم يقلدون هؤلاء الفاسدين المناصب العليا و الدرجات المرموقة وكما يحدث في العراق فبدلاً من محاسبة الفاسد و الاقتصاص منه بل أنه يُعطى منصباً أعلى من منصبه السابق فإنا لله و إنا إليه راجعون تلك والله مصيبتنا العظمى ! فهذا معاوية حاكم الشام في عهد عمر ينقل عنه ابن الاثير في الكامل 9ص345 كيف كان يخشى من الخليفة الثاني وكان اطوع له من خادمه يرفأ لما امتازت به سياسة عمر من شدة و صلابة و محاسبة لكل ملك او حاكم له على بلاد المسلمين وهذا ما نراه واضحاً على تعامل معاوية مع الخليفة الثاني ( رضي الله عنه ) فحقاً اين ساسة و ملوك اليوم من عمر و دولته القائمة على العدل و الانصاف و المساواة بين الرعية من جهة ، و متابعة الولاة و السلاطين و الملوك و محاسبتهم من جهة أخرى فلماذا لا يتخذ سياسيي اليوم من عمر الانموذج الامثل و القدوة الحسنة التي يقتدون بها و يتخذونها مثلهم الاعلى ؟ وهذا ما دعا إليه رجل الدين الشيعي الصرخي الحسني خلال محاضرته (23) من بحثه الموسوم ( وقفات مع التوحيد التيمي الجسمي الاسطوري ) في 3 من آذار لسنة 2017 فقال الصرخي : (( ولهذا كان الخليفة الثاني عمر (رضي الله عنه ) شديداً جداً في متابعة و محاسبة الولاة ولا يتأخر في محاسبة و معاقبة المقصر منهم إلى المستوى الذي خاف منه حتى معاوية فصار اطوع له من خادمه يرفأ فأين هؤلاء القادة و الملوك و السلاطين من الخليفة و حكومته )) .