أنْ تجدَ رئيس مجلس محافظة نينوى السيد بشار الكيكي حتى هذه اللحظة ابعد مايكون عن التفكير في الجانب الايمن من الموصل رغم النكبة التي اصابت اهله وعمرانه،مع ان طبيعة عمله الرسمي(خدمية)وليست سياسية،بمعنى انه المسؤول اولا وآخرا قبل المحافظ وقبل اي مسؤول آخر عن تقديم الخدمات للمواطنين.
كان من الاولى ان ينقل مكتبه مع بقية اعضاء المجلس الى الجانب الايمن منذ الايام الاولى لتحريره،لكي يدرك عمق الكارثة التي اصابته، وأن يسعى بكل جهده حتى يقف مع الناس في مصيبتهم من بعد ان عمَّ الدمار الشامل كل شيء ، حيث لم يعد هناك مساكن تصلح للعيش ولامستشفيات ولامدارس ولاماء ولاكهرباء ولاوسائط نقل ولاابسط الخدمات الانسانية خاصة في احياء الموصل القديمة(رأس الجادة الطوّافة،دورة الحماميل،السكك،خزرج،الخراب،الشيخ فتحي،المشاهدة،الزنجيلي، الشفاء،باب البيض،الفاروق،باب لكَش،باب جديد،المكّاوي،حضيرة السادة، السرجخانة،جوبة البكارة،الميدان،عبدو خب، دكة بركة،النبي جرجيس) .
على العكس من ذلك يبدو وكأن هذا الشطر من المدينة ليس من مسؤولية رئيس مجلس محافظة نينوى، انما من مسؤولية مجلس محافظة قندهار .
لو ان شخصا اخر كان في منصب رئيس مجلس محافظة نينوى بدلا من السيد الكيكي،لتنقل بين البلدان شرقا وغربا طارقا ابواب الحكومات والمنظمات الدولية(وفاء للمدينة التي منحته اسمها وثقتها وصوتها)لاجل ان تأتي وتساهم في اعادة الامل الى الذين فقدوا الامل بعد ان تحطم كل شيء امامهم وفقدوا اعز ابنائهم واحبائهم ومازال العشرات منهم تحت الانقاض دون ان يكون هناك جهد حكومي من قبل مجلس المحافظة يتناسب مع حجم الكارثة التي حلت بالجانب الايمن .
ولكن على مايبدو فإن قيم الامانة والثقة والاحساس بالمسؤولية الاخلاقية قد غابت تماماعن المسؤول الحكومي العراقي عموما ، حتى لو كان مواطنا كاملا لانقص في مستمسكاته الرسمية التي تثبت عراقيته .
ومايدهشنا اننا وجدنا هذه القيم في انبل الصور التي تعبر عنها ممثلة على سبيل المثال في مواطنين من البصرة والديوانية والنجف، كما عبر عنها ايضا مواطنون اجانب قطعوا الاف الكيلومترات لأجل ان يقفوا مع الضحايا والمنكوبين، بينما المسؤول العراقي يجلس مستريحا دون ان يعير اهمية لما يحدث حوله من صور الخراب ، حتى انه لايكلف نفسه ولو مرة واحدة في الاسبوع عناء عبور الجسر العائم باتجاه الجانب الايمن تضامنا وتعاطفا مع المواطنين وهم يعبرون مشيا على الاقدام تحت لهيب الشمس الحارقة عائدين الى انقاض بيوتهم .
ربما يخشى المسؤول على اناقته ان تتبهدل بالطين والاتربة والغبار والتي كان حريصا عليها تحت اسوأ واقسى الظروف حتى عندما كان يزور احيانا بعض المخيمات من غير ان يراعي مشاعرالمهجرين والنازحين المنكوبين.
وربما يدرك جيدا أن ليس هناك جهة رسمية عليا ستحاسبه على تقاعسه في العمل،ولو كانت هذه الجهة موجودة فعلا لما نفذ عشرات المسؤولين الحكوميين بجلدهم من العقاب وعادوا الى بلدهم الثاني الذي يحملون جنسيته بعد ان نهبوا المال العام واجرموا بحق العراقيين،ومحافظ البصرة خير شاهد على ذلك وقبله محافظ الانبار ووزير الكهرباء أيهم السامرائي ووزير التجارة فلاح السوداني والنائب مشعان الجبوري وقبلهم جميعا يقف نوري المالكي مثالا صارخا على سقوط العدالة في العراق.
فأين تكمن العلة ؟
هل في الشعب الذي لم يدرك حتى هذه اللحظة كيف يعبر عن سخطه ورفضه دفاعا عن كرامته وحقه في الحياة الكريمة الآمنة ؟
أم في النخب المتعلمة الاكاديمية التي تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية بعد ان ضمنت حقوقها ومكاسبها وامتيازاتها المادية ؟
أم في هشاشة الموقف لدى المثقفين والمبدعين من شعراء وادباء وكتاب وفنانين ازاء مايجري في بلدهم من انتهاكات وتجاوزات وجرائم بحق الانسان ؟
وهنا في هذه القضية من الخطأ ان نعلق الامل على رجال الدين او القوى العشائرية لانها اثبتت انتهازيتها ونفاقها وتزلفها ومداهنتها لاية سلطة خاصة اذا كانت غاشمة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ،هذا اضافة الى انها لاتملك اية رؤية وطنية في مقابل طائفية وقبلية مواقفها،ولهذا ينبغي استبعادها وعدم المراهنة عليها في اي مشروعي يهدف الى بناء حياة كريمة وامنة للعراقيين.
ويبقى السؤال قائما : اين العلة في الموصل العليلة ؟