أين العدالة يا أهل العدالة ؟!!لم تعرف محافظة بابل منذ ولادة الدولة العراقية في العصر الحديث محافظا أكثر فسادا وأشد استغلالا للمنصب من محافظها الحالي (صادق مدلول حمد) ، وليس أدل على ذلك من إحالته إلى قاضي محكمة النزاهة ما تجاوز على العشر مرات في دعاوى قضائية واضحة الفساد كوضوح الشمس في رائعة النهار ، كان قد تقدم بها عدد من المواطنين المظلومين ، وهي معززة بكل الأدلة والقرائن ، وكان أملهم كبيرا في إنصافهم وإعلاء كلمة القانون وتحقيق العدالة وإنقاذ المحافظة من أكبر المفسدين فيها ، ولكن خابت آمالهم ، وذهبت جهودهم وأتعابهم أدراج الريح !!
من هذه الدعاوى ما عرض على محكمة جنح الحلة سنة 2015م ، وأصدرت قرارها العدد 2368/ج/2015 ، وقد تضمن حكما ((بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة وبغرامة مالية مقدارها مليون دينار)) ، واستدرك قاضي المحكمة ماجد كاظم صكبان على قراره هذا ، فأضاف له : ((ولكون المدان شاب في مقتبل العمر ويخشى من اختلاطه مع أرباب السوابق قررت [المحكمة] إيقاف تنفيذ العقوبة بحقه)) !! واشترط القرار على المتهم أن ((يودع أمانات مقدارها مائتي دينار في صندوق هذه المحكمة تعاد إليه بعد انتهاء مدة التعهد)) !! وعلى تفاهة قرار الحكم هذا وإيقاف تنفيذه إلا أن رئاسة محكمة استئناف بابل برئاسة القاضي عبد الزهرة حسن نقضته وردت التهمة المنسوبة إلى المحافظ المفسد بقرارها 806/807/ت/جزائية/2015 بعد أو وجدت أسبابا معقولة عللتها بـ (سلامة نية) المتهم عند ارتكابه للفعل مما يستوجب براءته !!
وفي دعاوى قضائية ثانية عقدت جلستها في نهاية شهر أيار سنة 2017م ، وتداولت أخبارها وكالات الأنباء ، وفيها تصريح لقاضي الجنح في الحلة علي الطائي أعلن فيه صدور قراره بالحبس البسيط على المحافظ المفسد مع غرامة مالية مقدارها مليون دينار لإدانته بقضايا فساد مالي وإداري (الاستغلال الوظيفي) ، وقد حاول المدان الهروب من المفرزة التي رافقته إلى المحكمة إلا أن عناصرها تمكنوا من إعادته ، وحاول القاضي فتح محضر لمحاولته الهروب ، إلا أن الأمور سرعان ما تطورت بشكل غريب بعد تدخل عاجل من قبل مسؤولين كبار في الدولة ، فأدخل المحافظ المحكوم إلى المستشفى التركي للرقود بدل الذهاب إلى السجن ، وتم تمييز القرار في الحال ليكون الحكم إلى صالحه ، ثم أفرج عنه ، ولم تستغرق كل تلك الإجراءات المعقدة سوى أربع وعشرين ساعة فقط !! وهي حالة لم يشهدها القضاء العراقي من قبل !!
أما اليوم فلم يعد الأمر كما في الأمس على سوئه ومرارته ، فقد صار المحافظ المفسد لا يذهب إلى مكتب تحقيقات بابل التابع لهيأة النزاهة ليتم التحقيق الأصولي معه في الدعاوى المرفوعة ضده قبل إرساله إلى القاضي وعرض أوراقه ، فقد صار يذهب مباشرة إلى مكتب قاضي النزاهة في محكمة استئناف بابل ، ويستقبل هناك بحفاوة كبار الضيوف ، لتدون أقواله من قبل المحقق العدلي في المحكمة بالشكل الذي يضمن براءته وغلق القضية ، ثم يستدعى محقق النزاهة الواقف بالانتظار خارج مكتب القاضي ليضع توقيعه على نسخة تحقيقه الذي لم يكتبه ولا يعرف عنه شيئا ، ويخرج مباشرة ، ويغادر بعدها المحافظ المتهم بالفساد مودعا بمثل الحفاوة التي استقبل بها !!
ولبيان الحقيقة كاملة لابد من توضيح مهم حول هذه الحالة المؤسفة التي وقعت في مكتب قاضي النزاهة في محكمة الحلة ، وصارت حالة متكررة وعلى مرأى ومسمع من الجميع ، فإن سببها الضغط الذي يمارس على القاضي من قبل رئاسة محكمة الاستئناف في بابل ، ومن المؤكد أن الأخيرة تتعرض لضغوطات عديدة وشديدة من مرجعيتها في بغداد ومن كبار المسؤولين في الدولة ، فتكون النتيجة هذه المأساة بل المهزلة في القضاء العراقي المشهود بنزاهته وجديته على مر العقود الماضية .