23 ديسمبر، 2024 3:04 م

جاء المالكي بضابط الدرع وقائد القوات البرية عبد القادر العبيدي كوزير للدفاع وعبر صفقة فاحت رائحتها الكريهة وعلت الاصوات بفضح المستور فيها وشُكلت اللجان البرلمانية للتحقيق وذر الرماد في العيون وسرعان ما اختفت تلك الاصوات وساد الصمت والخوف والمساومات كما تعودنا في كل مرة تظهر فيها فضيحة قد تطيح بفلان وعلان بدلاً من اظهار الاخلاص للوطن والشعب في مواصلة البحث والتقصي للوصول الى الحقيقة والاعلان عنها امام الرأي العام ليطلع على مصيبة من المصائب الكارثية الكثيرة التي يعيشها شعبنا في ظل هكذا وضع  فاسد وهزيل .
اراد المالكي من توزير العبيدي على حقيبة الدفاع ان يضرب اكثر من عصفور بحجر فهذا الضابط سني المذهب وهي احدى الشروط التي تتطلبها المحاصصة الطائفية لمنصب وزير الدفاع ، وهو بعثي سابق وعمل في مواقع امنية مهمة في عهد النظام السابق وهذا االتاريخ يُرضي الجهات السياسية ذات الجذور البعثية او التي تتعاطف مع البعث والبعثيين وعُرف عن هذا الضابط سهولة انصياعه وسهولة قيادته من قبل رؤسائه فهو منفذ جيد للاوامر دون اعتراض او تفكير ، ووصفه موظفي وزارة الدفاع بضعف شخصيته وتردده في اتخاذ القرارات وتراجعه كثيراً عن ما يصدره من قرارات واوامر وخضوعه التام للحاشية السيئة التي تمكنت من الاحاطة به والسيطرة عليه طوال فترة استيزاره ، كما ان توزير هذا الضابط سيمتص نقمة القيادات العسكرية ويبدد خشيتها من تولي شخصية مدنية لهذه الوزارة ، ويبدو ان المالكي بذل جهدا لا يستهان به في دراسة شخصية العبيدي ووجد فيه الرجل المناسب في هذه المرحلة لتحقيق غاية اساسية اتضحت فيما بعد وهي الصفقات الفاسدة والمُفسدة التي كانت تنتظر هذا الوزير الهُمام والتي  اقتضت المصالح الحزبية الخاصة تنفيذها وانجازها بصمت ودون ضجيج وباحترافية عالية وقد نجح العبيدي بانجاز المهام التي جيء به من اجلها ومرر عمولات الصفقات الفاسدة الى جهات ستتضح هويتها فيما بعد اذا سارت الامور بالاتجاه الصحيح في استمرار البحث والتحقيق والتقصي المخلص ، ومن الطبيعي ان تؤكد الايام والاحداث هذه الغايات والاهداف من وضع العبيدي على رأس وزارة الدفاع فلم يكن الهدف الاساسي من هذا الاختيار تهدئة الحالة الامنية المضطربة وتطوير قدرات الجيش وحماية المواطن والا لم نكن لنشهد في عهده ذلك الفشل والتراجع الامني المخيف ولم تكن الغاية من هذا التوزير الحاجة الملحة للسيطرة على وزارة الدفاع ومن فيها من قيادات عسكرية معروفة بالانتهازية والفساد والتلون والتمرس على التسلق والتملق اقتضت الضرورة للاستعانة بها في تلك الظروف العصيبة تحت ذريعة الافادة من خبراتها الامنية والعسكرية وخوفاً من انجرارها وراء الارهاب في ظل الاستعجال في اعادة تشكيل المؤسسة العسكرية وانشغال القيادات السياسية بصراعات ساخنة للفوز بثمار التغيير . وبعد خروج العبيدي من الوزارة بانتهاء ولايته كان منصب المستشار العسكري لرئيس الوزراء بانتظاره  فلم يكن المالكي بذلك الغباء ليدع العبيدي حراً طليقاً وهو يحمل كل تلك الاسرار والفضائح فكان احتواءه في ذلك الموقع والسيطرة عليه حلاً لهذه المشكلة حتى يحكم الله بأمره . واليوم وبعد ان اصبح الوضع لا يحتمل استمرار التكتم والتعتيم ولجم صوت هيئات النزاهة ولجانها ومنعها بطريقة او باخرى من البوح بما تعلم نتيجة للتغييرات السريعة في المصالح السياسية المتأرجحة فان الوقت قد حان لتهريب العبيدي وابعاده عن الساحة العراقية الساخنة لضمان عدم تعرضه للمساءلة والاستجواب ومن ثم كشف الاسماء السياسية والعسكرية  المتورطة في تلك الصفقات المشبوهة وحدوث ما لا يحمد عقباه .
لقد أصبح هروب أو تهريب الحيتان الكبيرة المطلوبة للاستجواب او التحقيق  قبل افتضاح أمرها من الظواهر التي يلاحظها بوضوح كل مواطن متابع لهذه الحالة المتكررة ومن ثم عدم امكانية الجهات القضائية والامنية من القبض على هؤلاء المرفهين مالياً والمحميين سياسياً في الوقت الذي تستأسد فيه السلطات على صغار الموظفين الذين ارتكبوا مخالفات بسيطة لا تقارن باي حال من الاحوال مع تلك السرقات الكبيرة لتضع هؤلاء المساكين في المعتقلات والسجون بتهمة الفساد ولتظهر امام الناس بمظهر المحارب والمكافح لهذه الافة الخطيرة  في ظل اجواء انتقالية يعيشها العراق تتسم بالفوضى وعدم الانضباط في كل المجالات  ويبقى الرأي العام والمتابعة الشعبية لقضية فساد وزير الدفاع السابق في انتظار الكشف السريع عن حقيقتها وليس تمييعها او المساومة عليها والحاقها بما تم تمييعه ودفنه من قضايا فساد كبيرة لا يغمض عليها جفن وهو ما يشجع على التمادي في سرقة اموال الشعب ، كما ان تعالي الاصوات مؤخراً عن شبهات فساد في الصفقة الروسية والضجيج السياسي والاعلامي فيها لا ينسينا شبهات الفساد في ما سبقها من صفقات لا زلنا لا نفهم مصير التحقيقات فيها وما افرزت هذه التحقيقات من نتائج ، فضحك السياسيين على عقل المواطن والاستخفاف بذكاءه وفطنته مستمر ولكن هؤلاء نسوا او تناسوا ان المواطن وبعد كل ما حدث وما يحدث لن يعول على صحوة في ضمائرهم ولن يراهن على اخلاص ووطنية أحد منهم ولكنه سيعتمد على الايام والصراعات والاحداث في كشف ما يريد السُراق الكبار اخفاؤه وان غداً لناظره قريب .