7 أبريل، 2024 1:56 ص
Search
Close this search box.

أين الخيانة من الأمانة ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

-1
في عام 1970 صدر الكتاب الأول من مؤلفاتي وهو (أحاديث اسلامية في قضايا الزواج والأُسرة ) فعمدتُ الى (تجليد) بعض النسخ وأعددتُها للإهداء .

وتقدّمتُ الى سيدي الوالد المرحوم العلاّمة السيد محمد هادي الصدر بنسخة من هذا الكتاب وأهديتُها اليه ..

وكنتُ يومَهَا أواصلُ دراستي في الحوزة العلمية في النجف الاشرف – حيث التحقت بجامعة النجف الأشرف بعد اكمالي لدراستي الجامعية ببغداد عام 1967 – فلم يكن بمقدوري المجيء الى بغداد الاّ في عطلة نهاية الاسبوع .

وقبل ان اعود الى النجف أودعتُ بعض النسخ عند أبي – رحمه الله – وقلتُ له :

” انها أمانة عندكم ” …

وحين وصلت الكاظمية في عطلة نهاية الاسبوع الثاني – جرياً على العادة – قال لي السيد الوالد – رحمه الله – :

انّ صديقي ” الشيخ احمد ” قد زارني أثناء غيابك، فأهديتُ اليه النسخة التي قدّمتَها لي من كتابك ، وأنا الآن أطالبك بنسخة أخرى .

قلت له :

سيدي هناك نسخ عديدة تحت يديكم ، فقال :

لقد قلتَ لي انها أمانة ..!!

لم يشأ والدي – وهو الذي له عليّ حق الحياة – ان يتصرف بنسخة من الكتاب، لأنه يراها أمانة لابُدَّ من الحفاظ عليها حتى يطالب بها صاحِبُها ولو كان ابنه الذي لا يحتمل في شأنه ألا يكون راضيا بتصرفه بالنسخة–

هذا هو مدلول الأمانة عند آبائنا …

وهكذا حرصوا على ترسيخ القيم في نفوسنا عبر تجسيدها العمليّ في تعاملهم معنا ومع الناس .

انني لأنحني إجلالاً وتعظيما لِمَنْ حَمَلَ هذه الروح السامية وحرص على ان نكون ممن يهتمون بأداء الأمانة الاهتمام الحقيقي، بعيداً عن كل معاني التفريط والتقصير .

-2-

وقد قرأت قصة نقلها المرحوم السيد محمد الحيدري في كتابه (طرائف الحكم ونوادر الآثار ) ج1 ص 39 جاء فيها :

” خرج رجل ثري من داره – قبيل الفجر- قاصداً الحمّام ومعه رفيق ،

وفي اثناء الطريق عرض للرفيق عارض مفاجئ اضطره الى ترك صاحبه دون أنْ يعلم ،

وكان أحدُ السُرّاق يترصد ذلك الثريَّ منذ خرج من بيته وتبعه الى الحمّام،

فلما أراد الدخول أخرج من جيبه كيسَ نقُودِهِ فَدَفَعَهُ الى السارق – وهو يحسب أنه صاحِبُهُ وقال له :

ضَعْ عندك هذا الكيس أمانة ريثما أخرج ،

فلما خرج – وقد طلع الفجر بنوره – راى رجلاً غريبا بباب الحمّام

فقال الثريّ :

تَفضّلْ هذه أمانتك ؟ ، فقال له :

مَنْ أنتَ ؟ قال :

انا سارق وقد تبعتُكَ لأسرقَكَ فلما ائتمنتنِي لم استحسنْ خيانتك ،

فتعجب الثري من أمانة هذا السارق وأكرمه ..!!

أقول :

البيوت القديمة لم تكن مجهزة بالحمّامات ، ومن هنا كان (الحمّام العمومي) هو المكان الذي يتجه اليه الناس حين الحاجة الى الاستحمام، ولهذا خرج الثري من داره قبيل الفجر متجها الى الحمام .

والمهم : انّ ائتمان السارق كان كفيلاً بتحويله من خندق الى خندق ..

من خندق اللصوص والقراصنة والمتلاعبين بأموال الناس الى خندق الأمناء الحريصين على حفاظ الأموال لأصحابها .

كان الناس– بما فيهم السُراّق – يقدّسون المثل الرفيعة ويحرصون على الالتزام بأهداب القيم والاخلاق .

-3-

وكانت المرأة التي تحس بوجود السُرّاق في بيتها تنادي ولدها :

قُمْ يابُنيَّ فساعِدْ أخوالَكَ ..!!

فيسارع السرّاقُ الى مغادرة الدار لأنهم يأنفون من سرقة أختهم .

كيف يسرقون مَنْ اعتبرتهم إخوةً لها ؟

-4-

يقول الشاعر :

دَعْ الخياناتِ ولا تَاْتِها تَحظَ بأموال الورى كُلِّها

فالله قد قال بقرآنِهِ أدّوُا الاماناتِ الى أهْلِها

وبالفعل فانّ الأمانة من أعظم الخصال التي ترتفع بصاحبها الى القمم السامقه وتجعله مورداً للتقدير والاحترام …

-5-

والعراق الجديد قد ابتلي بمن لا يتورع عن سرقة الاخوة والاخوات، ولا يرعى اية حرمة من الحرمات، والا فأين ذهبت مئات المليارات من الدولارات وكيف تبخرت واختفت آثارها ؟

-6-

لو كان هناك من يعي مدلول الأمانة لحرص على أنْ ينقذ لبلاد من كارثة انهيار ” سدّ الموصل ” المحتملة بَدَلَ ان يهرّب المال العراقي المسروق الى الخارج ن ويشتري به العقارات ، ويقيم به مختلف الأعمال والمشاريع الاستثمارية ..!!

نعم لو كان هناك احساس بمعنى الأمانة لما ارتضى السلطويون أنْ يجلس أولادنا في مدارس طينية، ولا ارتضوا أنْ تصل رداءة الخدمات في المستشفيات والمستوصفات الى الحد الذي وصلت اليه ..!!

ولما ارتضوا ان يبقى الملايين محرومين من الماء الصالح للشرب ،

فضلاً عن معاناتهم المستمرة من انقطاع التيار الكهربائي .

ولو كان هناك احساس حقيقي بمدلول الأمانة لما اصبحت خزينة الدولة خاوية على عروشها بحيث اضطرت الحكومة الى استقطاع 3 % من رواتب الموظفين والمتقاعدين ..!!

انّ الخيانة التي اتسم بها القراصنة الذين نهبوا الثروة الوطنية العراقية فاقت حدود الخيال …

-7-

لو كانوا حريصين على أداء الأمانة لما عانى النازحون والمهجرون – وهم قد زادوا على المليونيْن – أبشع ألوان المعاناة …

-8-

والسؤال الأن :

كيف غاب عن الخونة أنهم في مزبلة التاريخ ومَحَطّ ازدراء البلاد والعباد…

وهل رأيتَ بلدا من بلدان العالم يرضى بأنْ يُحْسَبَ الخونةُ في عداد أبنائه؟!!
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب