23 ديسمبر، 2024 11:17 ص

أين الخراب؟ أفي الرؤوس.. أم الأذناب!

أين الخراب؟ أفي الرؤوس.. أم الأذناب!

لاأظنها غريبة على مسامعنا قصة الرجل الذي أقدم على شراء سمكة، وأراد التأكد من كونها طازجة أم (خربانة)! فراح يتفحص رائحة ذيلها، وحين نصحه أحدهم أن فحص السمكة يتم بشم رائحة رأسها أجابه: (أدري أدري.. بس اريد اشوف الخياس وصل للذيل..!)

منذ أكثر من أربعة عقود والعراقيون غرقى في مستنقع يعج بأشكال الروائح النتنة المستهجنة، وهم تارة يدركون مصدرها، وتارة يتوه عنهم، ومافتئوا يتفحصون يوما بعد يوم روائح تنبعث من أماكن عدة، ومن شخوص عديدين في البلاد، بعدما كانت تسمى دار السلام والحب والجمال والشعر والأدب، فمن تلك الروائح ماينبعث ممن تبوأوا المناصب العليا الرفيعة والغليظة، ومنها من أتباع لهم أقل رفعة وغلظة، وهؤلاء قطعا تسلقوا سلم الانتخابات وعرجوا على مصعد المحاصصة، وتشبثوا بحبال الأحزاب والكتل، وتعلقوا بتلابيب العشيرة والمنطقة والطائفة، فكانت النتيجة تعليق مبدأ التكنوقراط الى إشعار غير مسمى، فانزلقت مؤسسات البلد بفضل سوء التفكير وقلة التدبير شر منزلق، فتوقفت بالنتيجة عجلة البلد الى حيث خطوات التقهقر والرجوع الى المربع الأول. والمربع الأول هذا كان ومازال التهديد به ديدن السياسيين من أرباب المصالح الخاصة والفئوية والحزبية، إذ هم يلوحون دوما بالعودة اليه بغية تمشية أمر كان قد دبر بليل، فيكون لهم مايرومون على حساب البلاد وملايين العباد.

ومن مصادر الروائح الخبيثة أيضا ما تقذفه رياح التدخلات الخارجية القادمة من بلدان الجوار لاسيما الجار الجنوب، فاختلط أمر تلك الروائح باتباع وسائل التغطية والتتبيل مواراة ومراءاة، بواجهة تعكس مظهرا جميلا لجوهر نتن ونيات مبطنة ومكائد مبيتة. ومن مستجدات الأماكن التي انبعثت منها روائح نتنة في الآونة الأخيرة، هي شمال البلاد.. مصطاف العراقيين ومربعهم، عقب ماكانت تهب من هناك النسائم العليلة والهبوب العِذاب، وتحديدا من رئيس إقليم كردستان العراق هناك، فمنذ منتصف التسعينيات وهذا الرجل يتجسد فيه بيت الشعر:

إذ ماخلا الجبان بأرض

طلب الطعن وحده والنزالا

فلو أردنا عد تصرفاته المعرقلة للعملية السياسية العراقية، لضاع بنا العد وسط أرقام مهولة، وكي لايتعبنا التذكر سأذهب الى ما حدث قبل أكثر من عام، إذ هو ينم عن نيات مبيتة مخطط لها مسبقا، وما تسهيل أمر عصابات داعش في توغلها داخل الأراضي العراقية إلا واحد من نياته، كما أن وضع يده على نفط العراق والعراقيين، يدل على بيعه وطنيته وقوميته وناموسه وأشياء أخرى كثيرة مقابل هذا المكسب.

ويوما بعد يوم يتبين ماكان يتأبطه هذا الرجل الجبلي الذي كان حريا به التحلي بأخلاق أبيه، في مقارعة الطغاة والوقوف أمام الظلم بأشكاله، فراح عكس هذا بتسليم وبيع وشراء أرض البلد ومائه وسمائه وثرواته، وما وصول تنظيم داعش الى ماوصل اليه بالأمس في الموصل إلا بمساعدة منه. وما التداعيات في كركوك إلا نتائج تسهيلات من لدنه، فهو خبير بأرض محافظات الشمال، وحذلقي وفطن جدا بهضاب كركوك، وعلى دراية تامة بما موجود في باطن أرضها من ثروات وخيرات وفيرة. وكلنا يذكر ادعاءه أن قوات البيشمركة تولت حماية نفط كركوك من هذا التنظيم، وهي قادرة بإمكانياتها وعدتها وعددها -حسب قوله- على التمسك بهذا المرفق الحساس والخطير. وكلنا يذكر أيضا كيف تميعت وعوده وذابت أمام أول هبة من عواصف -حليله- تنظيم داعش؟ إن لم يكن هناك اتفاق مسبق بتسليم أرض واستحواذ أخرى بالتناوب معه، وهذا طبعا لغايات بعيدة وأخرى قريبة.

لقد حار العراقيون في وضع سمكتهم.. وتاهت عليهم أماكن خرابها وفسادها.. واشتبك حابل أمرهم بنابل التكالبات التي اجتمع عليها الرؤوس والأذيال للنيل منهم ومن عراقهم. فهل مثلنا الذي ذكرته في بدء مقالي هذا بات ينطبق علينا تماما؟

وهل مايحدث سببه خراب الرؤوس؟ ام الأذناب.. أم الاثنين معا..!.

[email protected]