-1-
هناك ” الإمعات” الذين يُلغون آراءَهُم ، وينسون كل الحقائق حين يأمرهم أسيادهم بالإسراع الى تنفيذ أعمال مُنكرةٍ، واضحة البطلان، دون ان يَنْبِسُوا أمامهم ببنت شفة ..!!
العيبُ ليس في الحكّام الآمرين بالسوء فقط ، وانما هو في هولاء الذين يمكن ان نسميهم بالجلاوزة …
انهم ليسوا رجالاً ، وانما هو من أشباه الرجال …
انهم زمرة المنبطحين الذين لايُحسنون الاّ هذا الفنّ القبيح !!
وهولاء – اشباه الرجال – هم أشبه بالغدّة السرطانية التي تفتك بالاجساد وتُفَتِتُ الأكباد …
وهم – للاسف الشديد – موجودون في كل زمان ومكان ، يقدّمون فروض الطاعة للطواغيت ، ويزينون لهم كل شائنة وعائبة دون تردد ..!!
انهم يفرشون الطريق الى الاستبداد بالورود والرياحين ..
ولهذا فهم اخوان الشياطين ..!!
انّ من الحيْف ان يحسب علينا هولاء في عداد الرجال …
إنّ الرجال لهم مواقفهم الجريئة في التعبير عما يرونه في قضايا البلاد والعباد ، وهولاء يسارعون الى هدم البيوت على رؤوس أصحابها، متى ما طُلب ذلك منهم دون أدنى إبطاء .
انهم جبناء لايملكون ذرة من الشجاعة لافي القول ولا في العمل .
-2-
والتجارب الحياتية التي مرّت بكل واحد منّا ، عَرَّفَتْه على الكثير الكثير من هذه النماذج المريضة، التي لاتحمل من الانسانية الاّ (المَظْهر) وأما (الجوهر) فهي قد ضيعتّه وجعلته أثراً بعد عين …
-3-
وقد قرأتُ قصةً استوقفتني في هذا الباب ، وددت ان أنقلها بحذافيرها :
{ إنّ عبد الملك بن مروان كتب الى عامله على المدينة :
إبعثْ اليّ محمد بن عليّ مُقيّدا }
وعبد الملك بن مروان معروف بِسَطْوتِهِ وقسوته .
ومن مظاهر هذه النزعة القاسية إصدارُه الأمر بالقاء القبض على الامام الباقر – محمد بن علي – (ع) ، وتكبيله بالقيود والأغلال ، والتوجّه به من (المدينة المنورة) الى (الشام)
وهذا الأمر الظالم ، ينسجم مع مسار الكيان الأمويّ الغاشم ، ولكنّه بالتأكيد سيُحدث ضجّة كبرى في العالم الاسلامي، تنطلق من المدينة المنورة، تستنكر الاعتداء الصريح، على الماثل من أهل بيت النبوة، والرمز الكبير للعلم والتقى والزهادة والريادة الاسلامية، وأعني به الامام الباقر (ع) – الأمر الذي ستكون له تداعياته الكثيرة ، وآثاره الخطيرة …
فماذا صنع الوالي ؟
كتب الى عبد الملك بن مروان يقول له :
” ليس كتابي خلافاً عليك يا أمير المؤمنين ، ولا رَدَاً لأمرك ،
ولكنْ رأيتُ ان أراجعك في الكتاب نصيحةً لك ، وشفقةً عليك .
إن الرجل الذي أردتَه ليس اليوم على وجه الأرض أعف منه ولا أزهد ولا أروع منه ،
وانه أعلم الناس ، وأرّق الناس وأشدهم اجتهاداً وعبادة ،
وكرهتُ لامير المؤمنين التعرض له فانّ الله لايغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم “
وهنا نلاحظ :
1 – ان والي السلطان لم يلتزم الصمت ، ولم يسارع الى تنفيذ الأمر قبل أنْ يُدلي برأيه ويوضح الصوّرة له .
وهذا شأن الرجال .
2 – انه لم ينطلق من منطلقات الانحياز للامام الباقر (ع) في مقابل السلطان وانما انطلق من موقع النصيحة والاستحقاق على سيده ، خشية ان يرتطم بإثْمٍ عظيم ..!!
3 – انه وضع النقاط على الحروف، وقدّم الصورة الكاملة عن الامام الباقر (ع)، مُذكراً بعلمه وأخلاقه وعبادته ، وكل ذلك يقتضي السلطان العدول عما اراد .
4 – ان عبد الملك أيقن بصحة ما جاء في كتاب الوالي ، وأخذ به ، وأعتبره ناصحاً مخلصاً .
فاذا كان السلطان القاسي العنيد – كعبد الملك بن مروان – يقبل من رجاله
النصيحة ، فقبولها ممن هم دونه في السطوة والقسوة يوشك ان يكون أكثر قبولاً وأسرع تصديقاً ،
ان أشباه الرجال يعتبرون النقاش في الأوامر المنكرة، مغامرةً مُكْلفة ولهذا تراهم ينغمسون في مستنقعات المذلة والانحطاط .