18 ديسمبر، 2024 6:47 م

أين اختفى المخترعون والمكتشفون والزعماء (الكاريزميّون) ؟

أين اختفى المخترعون والمكتشفون والزعماء (الكاريزميّون) ؟

الى قبل مائة عام تقريبا، كانت المخترعات العلمية مثل اختراع المصباح، وسكة الحديد، والراديو، والعلاجات، تُنسب الى اشخاص، وتُسجّل براءات الاختراع بأسمائهم، حتى برزت أسماء مثل غاليلو، ماركوني، أديسون، فاننا اليوم يندر ان نجد سبْقا علميا يسجّل باسم شخص، بل باسم شركات عملاقة وخزانات تفكير عالمية، مثل التطور الهائل في الموبايل، والحاسوب، والأدوية.

 

على عكس العلم، تتحول السياسة الحديثة الى طابع خصوصي على نحو متزايد، وتنطبع الأنظمة السياسية، والأحزاب،

بخصلة الزعيم، لا سيما في دول العالم الثالث، فيما تتراجع الأيديولوجيات وتُهمّش المؤسساتية.

 

في العراق، يركّز الناس كثيرا على الصفات الذاتية للزعماء السياسيين، وما يساعد على ذلك، ان مناهج الأحزاب، تخلو من المؤتمرات الانتخابية المفتوحة التي تجدّد زعماءها واعضاؤها فيما هي تنطبع بمزايا القيادات.

 

السياسي العربي، بشكل عام، منغلق، ولا يجيد الانفتاح على الجمهور، وهو غامض ومتنافر في نظر المواطنين، على عكس السياسيين الغربيين الذي يمتازون بالبساطة في الحياة اليومية، ويجيدون العمل الجمعي، وقد لعبت الأوضاع الأمنية والسياسية المتوترة والارث الاجتماعي المتجذر، دورا في خلق سياسيين انفراديين، على هذا النمط من التعقيد.

في مثال واضح يعزّز القصد، فان زعماء مثل برلسكوني وجون كيري وجورج دبليو بوش واوباما، حصلوا على درجات تقييم عالية في مؤشرات الطاقة الإيجابية والعمل ضمن المنظومة، وفق استطلاعات غربية.

 

في كتابه “الديمقراطية في التراجع” يرسم الكاتب جوشوا كورلانتزيك، صورة متشائمة لآفاق الديمقراطية في العالم، اذا لم تكن اكثر تواضعًا، واكثر جَماعيّة، مرجعا أسباب فشل الربيع العربي الى القراءة السطحية للكيفية التي تتطور خلالها الديمقراطية، فضلا عن الغرور الذي لازم الحركات الاحتجاجية، والانفرادية، والانغماس كثيرا في الطابع الفرداني لتلك الثورات، في رجعية واضحة بأسلوب العمل.

 

يكتب صمويل هنتنغتون، عن انه وبعد كل موجة من الدمقرطة، تبرز موجة عكسية تعود ببعض البلدان إلى الحكم غير الديمقراطي.

وأحد أسباب ذلك هو شخصنة الصراع، فثمة استهداف واضح لأشخاص، اذا ما سقطوا توقفت آلية التغيير، والعكس صحيح أيضا، اذ تستهدف الأنظمة أيضا أشخاصا في التظاهرات، ظنا منها ان ذلك ينهي الاحتجاجات.

 

لم ينجح الربيع الأوروبي (1848)، في ارساء الديمقراطية، لانها استنفرت فعالياتها نحو اسقاط رموز، على ايدي

حركات انطبعت بأسماء افراد، حتى استغرق الأمر قرنًا آخر من إراقة الدماء للتخلص من هذه المعضلة.

 

وفي الاتحاد السوفيتي، احتكر الثورة البلشفية، قادة تحولوا الى رموز مقدسة، وقد أدى ذلك الى الكثير من أسباب الفشل، فيما نجحت الحركات الثورية في الولايات المتحدة بعد ستينيات القرن الماضي من الحصول على حقوق كاملة ومتساوية، عبر ثورات انتخابية تمنح حق التصويت، انجبت أحزابا تؤمن بالشمولية والمؤسساتية في العمل والإنتاج. وإذا كانت الحرية الشخصية، هي السلعة الأهم للفردانية، فانّ الأمر لا ينطبق على الانفرادية في السياسة.