12 أبريل، 2024 4:50 م
Search
Close this search box.

أيلول الاسود والعراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

في ١٧ أيلول ١٩٧٠ بدأ الجيش الاردني حملته على قوات الثورة الفلسطينية بالاردن ٠ وكان الملك حسين قد شكل في الليلة السابقة حكومة عسكرية برئاسة ضابط من اصول فلسطينية هو الزعيم محمد داود ، وذلك على اثر صدامات وتوترات عديدة بين الجيش والثورة ٠ فالاخيرة كانت تتهم جهات عديدة حول الملك وفي الجيش والمخابرات الاردنيين بالتآمر عليها لصالح اسرائيل ٠ وكان الملك يتهم الفلسطينيين بالتآمر عليه ، والتدخل في شؤون الدولة ، وعدم احترام سلطتها واستفزاز الجيش ٠ وبالتأكيد كانت هناك من فصائل الثورة الفلسطينية تجاوزات كثيرة وشعارات غير عقلانية ، حتى ان الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ( نايف حواتمة ) طرحت في مؤتمرها العام – في اب ١٩٧٠ – شعار : اسقاط السلطة الاردنيه ٠ فضلا عن خطف طائرات مدنية لدول صديقة للاردن – من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(جورج حبش) – وتفجيرها في مطار المفرق الاردني بعد انزال ركابها ٠
وقد قدم الزعيم محمد داود – والمعارك في ذروتها – استقالته والتجأ الى مصر ، وكانت ابنته قد وجهت له نداءً عاطفيا ممزوجا بالدموع ومؤثرا – عبر اذاعة دمشق – لامته فيه على قبوله هذا الدور وطالبته بالاستقالة ٠ والحقيقة ان الرجل لم يكن سوى صورة ، فاختياره تم لمجرد كونه فلسطينياً ٠ وقد مات عام ١٩٧٢ ٠
كان في الاردن- عشية ايلول – جيشا عراقيا يبلغ تعداده ١٧ ألف جندي ، وكان نظام البكر -صدام قد وعد الفلسطينيين علنا بالقتال الى جانبهم ضد جيش الملك حسين ، وعندما وقع الصدام المتوقع أمروا قواتهم بعدم التدخل ( بطاطو – الكتاب الثالث ص ٤١١ ) بل وبعدما أسر الجيش الاردني القائدين الفلسطينيين ابو اياد وابو اللطف ، اسمعهم الاردنيون مكالمة بين الملك الاردني ومسؤول عراقي عن اتفاقهم المسبق بعدم التدخل ( باتريك سيل – بندقية للايجار ص ١١٨) ٠ وهكذا شجعوا الفلسطينيين على قتال الملك حسين ، واتفقوا سرا معه بعدم التدخل في القتال ، الامر الذي يحار المرء في تفسيره ودوافعه ٠ وقدر الملك حسين هذا العمل من النظام العراقي واخذ يدعمه في المحافل الدولية كما تطورت العلاقة بين الطرفين في كل المجالات ( د خدوري – العراق الاشتراكي ص ٢٧٢ ) ٠ الشيء بالشيء يذكر ان ضابطا شابا ( ملازم اول) من الجيش العراقي ، التحق بالفلسطينيين وقاتل معهم – في ايلول – وانسحب معهم بعد تقهقرهم الى سوريا ، ثم عاد الى العراق عام ١٩٧٢ ، فاحيل الى محكمة عسكرية وتم اعدامه ٠
قامت سوريا – في اليوم التالي لبدء المعارك – بارسال قوات مدرعة الى الاردن ، للدفاع عن الفلسطينيين ، مما حدا بالملك أن يستنجد بالاسرائيليين – بواسطة السفير البريطاني في الاردن – لقصف القوات السورية ، ثم استنجد بالامريكيين ليتدخلوا مباشرة ٠ وبدت المنطقة او قل العالم لساعات على كف عفريت ، ولكن الروس ضغطوا بشدة على السوريين للحد من هجومهم ، ثم أن الخلاف انفجر بقوة داخل القيادة السورية المنشقة على نفسها اصلا ، فالاسد اعترض على التدخل ورفض استخدام القوات الجوية السورية ضد الجيش الاردني ٠
ظل ياسر عرفات يردد لسنين طويلة ان شهداء الثورة الفلسطينية – في ايلول – كانوا ٣٠ ألفا ، ثم ظهر ان عددهم الحقيقي ٤ آلاف قتيل ، نصفهم من المدنيين الفلسطينيين ٠ اما قتلى الجيش الاردني فعددهم ٤٥٠ رجلا ٠ وقد قامت الحكومة الاردنية بدفن جثث الضحايا الفلسطينيين بمقابر جماعية سرا ، ولم ترشد ذويهم اليها ، الامر الذي تسبب بالكثير من المآسي لهم ، فعائلة احد الضحايا والتي تناهى الى مسامعها ان رجلا يشبه والدهم شوهد يتسول في شوارع مدينة العقبة الأردنية فهرعوا اليها وبحثوا فيها شارعا شارعا وقبلها فعلوا ذات الشيء في دمشق .
لقد تمخضت أحداث ايلول الاسود – كما صار يسميه الفلسطينيون – عن ثلاث نتائج غيرت تاريخ المنطقة والى الابد :
الاولى : ان الثورة الفلسطينية خسرت ساحتها الحقيقية ، ولم تعد تشكل تهديدا لاسرائيل ، فقد كانت هناك من الاردن عمليات فدائية يوميه ضد اسرائيل مع الاشارة ان هناك الى جانب ذلك ايضا عمليات استعراضية وغير مجدية ، وقد انتهى كل ذلك بعد ايلول ، ولو ان المقاومة الفلسطينية لم تغادر الاردن نهائياً الا بعد حوالي عام من ذلك ، وتحديداً في تموز ١٩٧١ ، وبعد معارك ضارية انتهت بمقتل القائد الفلسطيني البارز ابوعلي اياد ٠ ويمكن القول ان الثورة الفلسطينية انتهت بخروجها من الاردن ٠
الثانيه : ان ازمة ايلول – كما قلنا – فجرت ازمة النظام اليساري في سوريا ، وانتهى صراعهم المزمن ، بسيطرة الفريق حافظ الاسد وزير الدفاع على الحكم ، وسقوط الجناح اليساري الذي يقوده الدكتور نور الدين الاتاسي ( الامين العام لحزب البعث رئيس الدولة ) واللواء صلاح جديد ( الامين العام المساعد للحزب القائد العام للقوات المسلحة ) والذي كان الحزب كله يصطف معه اي مع الجناح اليساري ( ٨٠ من ٨٣ عضوا من المؤتمر القطري ) ، رغم انه يفتقر الى العقلانية الامر الذي أمسى معه عبئاً على سوريا والمنطقة ، حتى لم تُطلق طلقة واحدة في سماء دمشق دفاعًا عنه.
الثالثه – وهي الحدث الاهم – فبسبب التوتر الشديد الذي عاناه جمال عبدالناصر والجهد الكبير الذي بذله ، من اجل وقف الحرب بين الملك والثورة والتوصل الى تسوية بينهما ، اصيب الرجل بازمة قلبية فارق الحياة اثرها ٠ وبوفاته انتهت حقبة عربية وبدأت حقبة عربية اخرى ٠
فقد أدى غياب عبد الناصر وسقوط النظام اليساري في سوريا وتقهقر الثورة الفلسطينية الى سطوع نجم نظام البكر – صدام والذي أمسى – بعد عقد من ذلك – لاعبًا أساسيا في المنطقة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب