“باب التجيك منه الريح سده واستريح”.. مثلنا العراقي هذا يدلنا على أقصر الطرق وأيسرها وأنفعها، وأكثرها جدوى، لتحقيق الاستقرار والهدوء وراحة البال والخاطر، فالريح حين تأتي من الباب تخرج الأخيرات من الشباك رافعة راية الاستسلام، وحينئذ تعيث الريح فيما وراء الباب خرابا ودمارا وبعثرة، وقد اختصر صاحب المثل متفضلا ومشكورا الحلول العديدة، واختزل نقاط العلاج المتشعبة لهذه المعضلة بحل واحد وعلاج ناجع فريد، ذاك هو إغلاق الباب والسلام.
المملكة العربية السعودية.. دولة تتاخم العراق من جنوبه، وتأخذ مساحة مايقرب من مليوني كيلومتر من شبه الجزيرة العربية، وقد كانت بدايتها بتأسيس الدولة السعودية الأولى (إمارة الدرعية) على يد محمد بن سعود سنة 1744 والتي انتهت سنة 1818، ثم تبعتها الدولة السعودية الثانية (إمارة نجد) وكانت قد بدأت بعد سقوط الدولة الأولى إلى نهاية سنة 1891. لاحقًا جرت محاولات لتأسيس دولة سعودية ثالثة، فتم ذلك على يد عبد العزيز آل سعود سنة 1902، فأصبحت لاحقًا سلطنة نجد ثم بعد ذلك مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، إلى أن باتت تحت مسمى المملكة العربية السعودية بعد توحيد جميع أراضيها في كيان واحد، وكان ذلك في 23 أيلول عام 1932.
ومن تتبع علاقة حكام هذه الدولة منذ تأسيسها حتى اللحظة مع جارها الشمالي العراق، يتبين له أن أبواب جهنم مفتوحة على مصاريعها بين البلدين، إذ تنطلق من أرض السعودية على الدوام رياح صفراء عاصفة باتجاه العراق، باحتسابه الأقرب، والأقربون -على مابدا- هم أولى بأشياء أخرى غير المعروف والإحسان، ولاسيما بعد ظهور الحركة الوهابية فيها على يد مؤسسها محمد بن عبد الوهاب أواسط القرن الثامن عشر، وتأييد حكام آل سعود جميعهم له، ودعمهم حركته بالمال والإسناد المعنوي، حتى طال باعه واستطال ساعده، فمد أذرعه في مفاصل الحكم الملكي السعودي، وصار نهج المملكة يسير وفق مبادئ الحركة الوهابية بحذافيرها. وبذا يمكن القول والتصريح علنا وبثقة مطلقة أن المملكة العربية السعودية على مراحل تأسيسها الثلاث، هي المملكة الوهابية السعودية بلا منازع.
أما جارها الشمالي العراق.. فقد ابتلي بما يهب من ريح صرصر عاتية أقلقت استقراره، يبعثها ملوك آل سعود من الذين يكنون الولاء والانصياع لابن عبد الوهاب وأحفاده، وعلى وجه التحديد بعد عام 2003. ذاك العام الذي خلنا أننا ودعنا فيه نظام البعث وقائده وأزلامه الذين كان آل سعود يحابونهم ويتوددون لهم، لعلة لاتتعدى كونها عقائدية، تستمد مددها من الفقه الوهابي. فمنذ سقوط نظام البعث، مافتئوا يصدرون عبر بوابة الجحيم التي فتحوها على حدودهم الشمالية، مااستطاعوا تصديره من إرهاب وتكفير، بآلات وأدوات مادية وبشرية، يزجون بها وسط مدن العراق الآمنة، وقد سجلت السعودية قصب السبق فيما تسبب به الإرهاب في الداخل العراقي، من بين جهات ودول عديدة. وكانت الرؤوس المحشوة حقدا وغلا بعقيدة جامحة، لا تراعي أخا في الدين ولانظيرا في الخلق خير سلاح لها، تدسه بين الحين والآخر تحت ذريعة وأخرى، ولطالما حشدت أرتالا من الأجساد المغسولة أدمغتها، لتنفيذ أجنداتها في تفجير كل مايمت بصلة الى العراق، فالشارع العراقي كان هدفها، والمواطن العراقي كان مقصدها، والمنشآت العراقية كانت غايتها، وبالتالي تصب كل هذه المعطيات في هدفها الأكبر، وهو إلغاء دور العراق كبلد وشعب، في المنطقة بل والعالم كذلك، وكأنها بهذا تكمل مابدأه رئيس النظام السابق صدام حسين في سياسته مذ توليه الحكم.
وبعد مرور عقد ونصف العقد على عام تحرير العراق من ذاك النظام، والتي بدا خلالها اللعب على مستقبل العراق مكشوفا، وأضحت عدائية آل محمد بن عبد الوهاب علنية، بدليل استمرار مفقس الوهابية بانتاج الجديد والوافر من عناصر ووجوه جديدة، تعزز بها الساحة العراقية دون توقف، أقول، بعد مرور هذه السنوات من الإصرار على ذاك النهج، هل من المعقول أن يغير الله مابقوم دون أن يغيروا ما بأنفسهم؟ لاسيما بعد زيارة العبادي ووزير داخليتنا الأعرجي السعودية قبل أيام!.
النتائج لايمكن تخمينها على وجه الدقة، كما أن الحدس والتوقع لن يأتيا بنتائج قريبة الى الواقع، كذلك قراءة الفنجان والتنجيم والاستناد الى مايرويه الـ (فتاح فال) لا أظنها مجدية، وإغلاق الباب الذي تأتي منه الريح، هو الآخر ليس الحل الأنجع، لم يبق إذن، إلا وضع اليد على الخد، فلعل وضعها عليه خير من لطمه بها، كما هو دأبنا فيما مضى -والى اليوم-.