18 ديسمبر، 2024 8:13 م

أيديولوجية الصراع السياسي في العراق: صراع الخطابات أنموذجا؟

أيديولوجية الصراع السياسي في العراق: صراع الخطابات أنموذجا؟

شكلت النظرية السياسية لإدارة الحكم في العراق، أزمة بالنسبة إلى نظرية الحكم بصورة مطلقة، حيث يبقى الجدل في تناول قضية الصراع الأيديولوجي بين القوى السياسية قائما بصورة مخفية وظاهرة، ومصدر فجوة سياسية وفكرية مستمرة. ولما كانت الاحزاب السياسية في أي دولة هي الوسائل الهامة من اجل ترجمة الآراء والأفكار الجماهيرية المختلفة الى سياسة عامة منسجمة، فإنها عنصر حيوي للحكومات الفعالة. الا ان الدور الذي تقوم به الاحزاب يختلف اعتمادا على طبيعتها واستراتيجيتها وطموحها بالطريقة التي تعمل بها وتتواصل مع بضعها البعض. وانطلاقا من المعيار المجتمعي فإن الخطاب السياسي العراقي عموما بسياقاته المطروحة وتحولاته وأبعاده وأهدافه يفرض منطقه على سلوك المجتمع. في الوقت نفسه تعكس المناهج الفكرية التي يُعبر عنها الخطاب السياسي العراقي الطابع الثوري، فتركزت موضوعاتها على الخلافات بين القوى السياسية، تلك القوى التي حاولت تعويض كل سلبيات التجربة في خطابها السياسي الذي تشكل وتكون بحكم الخلفية الأيديولوجية، باستثناء الخطاب الأخير للسيد مقتدى الصدر، حيث كان الخطاب ومنتجه يعكس بدرجة كبيرة أدبيات المدرسة الواقعية (الواقعية السياسية) في كافة أبعاده وأبرزها، البعد الجماهيري، البعد الديمقراطي، البعد الدبلوماسي وهو( الإقناع والإخضاع) البعد العربي والإقليمي والدولي، والبعد الإسلامي (الفلسفة الإسلامية) فهو يجسد أيديولوجيته وسياسته وأفكاره ذو المرجعية التاريخية في طريقة تعامله فقهيا مع السلطة لا يخرج عن التاريخ الفقهي الشيعي وهو من أهم وأكثر الأبعاد تأثيرا. وضمن هذا السياق يقول الكاتب العراقي (عادل رؤوف) في كتابه (‌محمد ‌محمد ‌صادق ‌الصدر مرجعية ‌الميدان‌ مشروعه ‌التغييري ‌ووقائع الاغتيال) “إن الصدر الثاني تعامل مع السلطة دون أن يعطيها المشروعية أولا، وثانيا فإن هذه العلاقة لم تكن علاقة تعاون وإنما علاقة تعامل مشروط، لا تختلف عن بعض حالات التعامل التي شهدها التاريخ الفقهي الشيعي تماشيا مع مصلحة الإسلام العليا. إنها علاقة استطاع أن يحولها الصدر الثاني إلى فرصة تاريخية نادرة لتأسيس مفاهيم جديدة أو نمط جديد من أنماط الصراع الذي يجب أن يكون مع السلطة “.
بصورة عامة فإن الخطاب السياسي العراقي فيه كثير من الغموض والالتباس نتيجة لفلسفة وميكانيزما هذا الخطاب، لاسيما أنه خطاب يقود حركة صراع عقدي أو أيديولوجي وقودها الجماهير سعيا منه إلى انتصار الأفكار والأيديولوجيات (المعلبة). ومن عباءة هذا الالتباس وهذه الجدلية يجب استدعاء العلاقة بين الخطاب السياسي والأسباب التي نتج عنها، علاقة لا تتوقف حدودها عند التعامل السياسي أو الحزبي، وأنما هي فعلا حيويا موجود سلفا ومكرسا بشكل موضوعي في عقيدة قطاعات كبيرة من الجماهير ومعبر عنها ذاتيا في عفوية هذه الجماهير. بالتالي فإن هذه العلاقة تؤطر أوجه التلاحم بين الخطاب السياسي والجماهير. وانطلاقا من هذه المعطيات ولأن الجماهير في مجتمعنا صارت بأمس الحاجة إلى خطاب سياسي عقلاني يحاول إعادة رسم العلاقة بينها وبين القوى السياسية، إذن يجب أن يكون الخطاب السياسي بمثابة فكرة إصلاحية في مسار العملية السياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى خطاب تصنع فيه النخب السياسية والإعلامية الجماهير وتقودهم إلى ثورة التصحيح يتجاوز فيه الأفكار والأيديولوجيات. في السياق ذاته لابد أن يتوافق الخطاب السياسي مع الأداء السياسي، وهذا يتجلى فعليا في المواقف القومية والدولية والعلاقات الخارجية والعمل السياسي الداخلي، وما يتبعه من ممارسات وتفاعلات في العلاقات بين القوى السياسية الحزبية واتجاهات المعارضة للسلطة التنفيذية والقوى الاجتماعية والسياسية الأخرى.
بلا شك أن أزمة الخطاب السياسي العراقي اتجهت نحو التأزم إلى حد كبير، وتزايد تعقيد مفهوم المواطنة وغيرها بـسبب الاعتبارات النوعية والعرقية والعنصرية، سيما أن الحراك السياسي والتفاعل الدائم مع هذه الأزمات هو محاولة الهيمنة والسيطرة وتبادل المصالح واختلاف الأهداف والغايات التي تسعى إليها القوى السياسية. لذلك فالخطاب السياسي بحد ذاته هو الرغبة عند القوى السياسية في السيطرة ولكن بصورة تختلف من قوة إلى أخرى.
على ما تقدم، فإن التغير المستمر الذي يشهده العراق في الأحداث السياسية والاجتماعية، هو نتيجة لأزمة الخطاب السياسي وتغيره، فخطاب اليوم ليـس كخطاب الأمس، ولن يكون كخطاب المستقبل. أما أبعاد هذا النوع من الخطاب السياسي ومظاهره يلاحظ، أن معظـم المشاكل الاقتـصادية والسياسية والعلمية والثقافية المذهلة والمتسارعة التي يشهدها العراق، هي إما أحد أسباب الخطاب السياسي أو إنها مجرد إحدى نتائجه الضخمة والعميقة. وإذا كان المجتمع العراقي الآن يعيش لحظة تداعيات ومآلات صراع الخطابات بسياقها السياسي، لكنه لا يعرف إلى أين تتجه هذه الخطابات أو ما نهاياتها. عليه من الضروري إيجاد محاولات فكرية عديدة لفهم طبيعة التحولات والتغيـرات التي يشهدها الخطاب السياسي العراقي فـي جميـع الاتجاهـات والمجالات، واستيعابه، وفهم سماته الأساسية، ومساراته المستقبلية، لأن الحقائق التي تتكشف أمامنا عبر قراءة التاريخ تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب العراقي قد بلغ وعيه السياسي حدا من النضج وهو في أوج الأزمة. لهذا فإن العلاقة بين الخطاب السياسي والجماهير علاقة متلازمة ومتصلة، وفي نفس الوقت هي علاقة شائكة ومعقدة لا تحكمها منهجية علمية محددة بل تحكمها علاقة اجتماعية بين البشر غير مقيدة بالزمان والمكان، حيث يعتبر الخطاب السياسي من أبرز العوامل وأهمها التي ترتكز عليها القوى السياسية كأداة لها مقومات وموجهات سياسية تتحكم في استخدامها، على سبيل المثال، أولا، قضية (العنف السياسي) فهي تعبير من مظاهر الخطاب السياسي العنيف والتخلص من الخصوم. ثانيا (التأثير) وهو التأثير على الآخرين وإغرائهم من خلال الخطاب السياسي.
إن أيديولوجية صراع الخطابات في العالم، من أهم وأخطر الصراعات بين القوى السياسية، كونها تفسر أسباب وجود واستمرار القوى السياسية ومدى القوة السياسية التي تتمتع بها إذا ما قورنت بالطبقة المحكومة. وتأتي أهمية تحليل وقراءة هذا الصراع من بين الصراعات السياسية من خلال التعرف على علاقة النخبة الحاكمة بالقوى السياسية الأخرى وكيفية التنافس فيما بينهما. ويبين هذا النوع من الصراع أيضا الوسيلة التي وصلت فيها النخبة إلى سدة الحكم واحتكار السلطة والقرار السياسي، من ثم السيطرة على كل مفاصل الدولة مثل المؤسسات الاقتصادية والإعلام وكذلك الهيمنة على المؤسسة العسكرية والأمنية، لاسيما أنها تدير شؤون الدولة وفق برامجها ورغباتها.