23 ديسمبر، 2024 6:33 ص

أيثاكا كافافيس وأيثاكا شغاتي

أيثاكا كافافيس وأيثاكا شغاتي

إيثاكا منحتك الرحلة الجميلة ، لولاها ما كنت شددت الرحال
وليس لديها ما تمنحكَ إياه أكثر من ذلك
حتى وإن بدت لك ايثاكا فقيرة، فإنها لم تخدعكْ…..!
 كافافيس
تستدعينا أيثاكا والتي تكتب بالأبجدية اليونانية (( Ιθάκη  لتعرفنا بانها من بعض أمكنة مكان أطياف الروح ، وكمدينة غارقة في قدرية السماء الأيونية لما تفكر فيها المغامرة الإغريقية في الوصول الى  ما يجعل حياتنا خالدة حتى لو لم نكن ننتمي الى  مجالس الآلهة.

حتى وأنت تقرأ يولسيس تشعر بأن من طيف الحدس موجودا في طيات مشاعرك وإن علينا أن نصنع لكل واحد منا ايثاكا خاصة بنا ويوليسيساً نرتدي قميصه حتى وانت تعيش في دبلن أو قرية أم شعثة الموجودة اليوم في الجنوب السومري هناك حيث اتخيلها الان وانا اصعد مركبا سياحيا لأزور جزيرة أيثاكا ، بعد شعرت بطرافة الخبر الذي يقول أن أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني دفع 4,9 ملايين يورو ثمناً مقابل شراء الجزيرة .

لم أشعر بسعادة أن يتحول النفط وأثرياءه لشراء التراث الإنساني وعليَّ أن اتخيل الان شكل لقاء يولسيس بمدينته ، وايثاكا تقترب من مخيلتي في اول رحيل اليها تقترب من خواطر ازمنة الأمس يوم اتانا هيرودوت وهوميروس بألياذتهما وحروب طروادة وشيئا من اساطير حملة الروح في عودتها الى الوراء والمسماة ( آناباز )    ، لأرسم وجه شغاتي في ذكريات التعليم في الأهوار قوله حين سكنته روح أيثاكا وهو يصغي لمديحنا بتجربة ومغامرة سعدي يوسف في ترجمة قصائد كافافيس والتي ظهرت بعنوان ( كافافي 100 قصيدة ) أيام الجبهة الوطنية وكان قد نشرها قبل ذلك في الصحيفة الاسبوعية للحزب الشيوعي العراقي ( الفكر الجديد ).

فبقول الرجل البسيط ( شغاتي ) :

أن أيثاكا وأم شعثه وجهان لروح واحدة .

ضحكت ، وقلت : يا رجل أيثاكا هي الفكرة الروحية لقهر المستحيل والعودة الى حضن امرأة .

قال : الذي افهمه أن الرحيل بمشحوف الى الجبايش ، والعودة الى ام شعث ثانية وعطر ضفائر أم مكسيم هو ذات الشعور في الذي يسكن القيصر يوليسيس والذين تحدثوا عن ايثاكا بعد ذلك.

تعجبت ، وقلت :الاقتراب من يولسيس وكافافيس بالنسبة لكَ قد لا يصدقه اخر غيرنا نحن اعضاء الهيئة التعليمية في المدرسة .

قال :دعهم لا يصدقون ، لقد اشتريت من الناصرية قبل يومين قصائد كافافي بترجمة سعدي يوسف، وقرأت أول قصائدها ،ومتى اصل الى ايثاكا ستفهمون مشاعري وقتها ، فلربما اجد شبها كبيرا بينها وبين أم شعثه.

قال واحد من المعلمين مازحا  : لا أدري أن كان هذا الرجل ، مجنونا أم عاقلاً ؟

قال : الليلة سأقرأ ايثاكا وغدا تفهمون أن كنت عاقلا او مجنونا .

قلت :ننتظر الى الغد ونرى ماذا تفعل بكَ ايثاكا.

والان وايثاكا تقترب من اجفاني كحقيقة طالما تمنيت رؤيتها والتمتع بخيال سواحلها الذهبية ، فالجزيرة لي الآن بكل تفاصيل مناخاتها الأسطورية فأتذكر فيلما رائعا رأيته قبل السفر اليها للمخرج اليوناني الراحل ثيو أنجيلوبولوس والمسمى ( تحديقة اولسيس ) وقوله عند استلامه جائزة السعفة الذهبية لفيلمه الفائز قوله : “إن كان هذا ما تريدون إعطائي, فليس لدي شيء لأقوله.”

ومادامت ايثاكا امامي الان فالصمت هو ما تقوله روحي ، ومع الصمت اتذكر شغاتي وكيف سكنه عطر الأسطورة وارتدى ثوب ايثاكا ، وكيف حفظ قصيدة ايثاكا عن ظهر قلب ليعيش زمن الصفنة ومحاولته ان يبتعد عن طقوس وظيفته بأعداد الشاي لنا وتحضير واجباته الحزبية في وصايا لينين لفلاحي روسيا .

اخذ اجازة لمدة يومين ، واتجه بزورقه الى جهة لم يعلن عنها .

وحين عاد كانت ملامحه تعيش بهجة العيش في مكان ما . وحين سألته ، ابتسم وقال : يبدو أن ايثاكا ليس في اليونان وحدها بل هي في كل مكان حتى في أم شعثه.