في سبعينات القرن الماضي وعلى شاشة قناة العراقية حيث لا توجد سوى قناة واحدة اشتهر بين أوساط المشاهدين برنامج أسبوعي فني تقدمه السيدة ( اعتقال علي الطائي ) وكان أسمه السينما والناس ، وكانت تقدم فيه افلام سينمائية جادة اغلبها ينتمي الى الواقعية الاشتراكية أو افلام الموجة الايطالية الجديدة وغيرها من الافلام التي كانت فيها السيدة اعتقال تستضيف شخصية ناقدة او أكاديمية يتحدث عن الجوانب الفنية والاخراجية والجمالية في الفيلم قبل أن يعرض في البرنامج وأظن انه كان يُعرض مساء كل اربعاء.
وكل اسبوع كان الفيلم الذي يتم عرضه هو من بعض نقاشات الفرصة المدرسية أو مساءات نهاية الدوام ، عندما يقرر بعضنا النزول الى الجبايش بعد نهاية الدوام والذهاب بمشحوف الى الجبايش ومشاهدة الفيلم والعودة بعد منتصف الليل بذات المشحوف الذي كان عامل الخدمة شغاتي هو من يقوده في اغلب الاوقات.
أحد الايام التي استمتعنا فيه في حضورنا الاسبوعي لمشاهدة هذا البرنامج كان يوما احتفالياً بالجمال والدهشة عندما كان الفيلم الذي عرض في ذلك الأسبوع هو فيلم ( جميلة ) والمأخوذ عن رواية الكاتب القرغيزي جنكيز أيتماتوف وكان ضيف البرنامج ولا اذكر من كان ضيف البرنامج ولكنه ( الضيف ) كان لبقاُ وملماُ بجوانب الفيلم في سرده التأريخي والعسكري وجانبه الفني ، وأظن أن جمع الفيلم مع الرواية التي كانت موجودة في مكتبة المدرسة وقرأها الجميع تقريبا وطباعة دار نوفسكي في موسكو والتي كتب في مقدمتها الشاعر الفرنسي لويس اراغون عبارة المديح ( جميلة أجمل قصة حب في العالم ) .
خلط الرواية بالفيلم كان متعة اسبوع من النقاش بعوالم جمع الرواية المقروءة من قبل المعلمين بالفيلم الذي شاهدناه مما أسس الميل الغريب للبحث عن الروايات الاخرى لأيتماتوف ومنها روايته التي نشرت في مجلة الاقلام وعنوانها الغرانيق المبكرة ورواية الكلب الأبلق الراكض على حافة البحر.
وفي متعة الحديث اليومي صادف أن عرض التلفزيون في ذات الفترة فليما عن الثائرة الجزائرية جميلة بوحيرد من بطولة الفنانة المصرية ماجدة ، فأحتدم الهوس الثوري بين ( الجميلتين ) وشاعت روح البروليتاريا والثورة في صدور المعلمين الذي انتمى اغلبهم الى اليسار الجميل فكان النقاش يدور حول كل فيلم ، واغلبهم كان يمتدح التقنية الفنية الكبيرة في اخراج فيلم أيتماتوف وكان انتاجه سوفيتيا ، فيما كان فيلم جميلة بوحيرد المصري ضعيفاً فنيا واخراجاً.
وبعد ايام كدنا نعبر النقاش الى فيلم آخر . عندما جاء أحد المعلمون ليقول لنا : انه اكتشف شيئا غريبا في القرية له علاقة بالفيلم السوفيتي والمصري ؟
قلنا : ما هو ؟
قال تتذكرون تلميذة في مدرستنا وصلت الى الثالث الابتدائي وتركت المدرسة وهي اليوم صبية على ابواب زواج . وكان اسمها جميلة .
قلنا : نعم وما الاكتشاف في هذا .؟
قال : هل انتبهتم الى أسم ابيها ، أن اسمها جميلة ابحيدر ، وهو مقارب في اللفظ والصورة الى اسم جميلة بوحيرد ، فيما الاكتشاف الاهم هو أن ترسلوا اليها بحجة جرد اسماء التلاميذ القدامى سترونها شديدة الشبه ببطلة فيلم أيتماتوف جميلة.
سكننا الفضول وارسلنا على جميلة ابحيدر ووالدها بذات الحجة. وعندما وقفت امامنا ، ارتسم الذهول والدهشة على وجوه الجميع وهم يرون وجها قرغيزياً اتى هنا ليولد في بيئة الاهوار ، والغريب أن الوجه يحمل ذات الاسم جميلة ويشبه تماما ذلك الوجه الطفولي البريء الذي تخيله أيتماتوف وأسند اليه مخرج الفيلم البطولة.
لسنوات ظل وجه جميلة المعيدية حين يصادفنا يذكرنا بمتعة ذلك الفيلم القرغيزي ووجه الثائرة الجزائرية التي تتشابه معها في موسيقى وحروف الاسم ( جميلة أبحيدر ).