لا يمكن الحديث عن الظواهر السلبية في حياتنا العراقية دون الرجوع الى اسبابها، ولا يمكن الحديث عن هذه الاسباب دون الرجوع الى ظواهر اخرى ترتبط من قريب او بعيد بهذه الاسباب، ولكن المشكلة الاساسية اننا احياناً نقف امام ظاهرة غريبة ونحاول ان نضخم فيها، ربما يرجع ذلك الى رغبة في اخفاء ظواهر اخرى اشد خطورة او محاولة جذب انتباه الناس الى قضايا فرعية ربما تنسيهم القضايا الجوهرية.
فهل نطلب المستحيل اذا نادينا بوطن حر خالٍ من السجون التعسفية والقهرية؟
ان الفكرة تقع ضمن بند احلام اليقظة. فالعراق الآن حالة ميؤوس منها. فالتخلف يعم القمة اكثر مما يشمل القاعدة. فالشعب المتخلف لا يوّلد الا قيادة متخلفة، والقيادة المتخلفة تعمق هذا التخلف، لانها لا تتصرف الا وفق مصلحتها. ومع ذلك، فان الامل يراودنا ان ينهض المجتمع العراقي من كبوته، وذلك ليس بالمستحيل، فهذا المجتمع وريث حضارة عريقة وافراده طيعون للاوامر. واذا كانت التجارب السابقة قد اثبتت حسن النية لديه، فان المستقبل يبشر بالخير، فما نحتاجه هو اندحار جيل من السياسيين التقليديين ليولد جيل جديد واعٍ ومخلص لمسؤولياته التاريخية… بقية اجراءات التقدم والنهضة تحددها قوانين وقواعد ثابتة تساهم في تربية الحس السياسي لدى افراد هذا المجتمع.
حلمنا بوطن ذو سيادة وبلا سجون قهرية، سيتحقق بارادة الطليعة المتنورة… فهم الجيل الذي سيستلم المهمة اما اجلاً او عاجلاً. فوطن ذو سيادة هو وسيلتنا للتخلص والى الابد من القهر السياسي والتخلف الاجتماعي والاقتصادي… فمتى زال هذا القهر والتخلف زالت بقية الاشكاليات الاخرى وولدت الرغبة والفرصة لبناء وطن سليم ومعافى له تطلعات اشمل واحلام اكبر.
ان من اهم ادوات تحقيق هذا الحلم، وجود صحافة حرة واعلام بلا قيود… فهذه السلطة هي الموجه والرقيب والحسيب، وهي المرشد الضروري لطليعة الوعي العراقي الشامل بل انها السلاح الفعال لخوض اي معركة من معارك العراق الحضارية.
ففي المنعطفات التاريخية من حياة الامم، يبرز دور الصحافة كأداة لارساء سياسة وطنية، وكوسيلة للتنوير، وتوسيع الافق الذهني، والرؤى الفكرية لدى المواطن، مما يفضي الى اشاعة المعرفة وتنظيم الذاكرة الجماعية للمجتمع.
وحيث ان الصحافة بمفاهيمها العلمية مازالت حديثة على الفكر والممارسة العراقية، فانها لابد في هذه المرحلة الحساسة، وفي ظل ظروفنا الصعبة، ان يتم العمل الموصول والدؤوب على استيعاب هذا الضرب من ضروب المعرفة والانتفاع به.
فالمتتبع الآن لظروف عراقنا العزيز، ولا سيما بعد 9/نيسان/ 2003، يلمس انها مازالت تشكل منعطفاً محفوفاً بالاخطار والمفاجآت التي تشكل تحدياً حقيقياً للصحافة العراقية في متابعتها لهذه الظروف، على الرغم من انها اصبحت بعد هذا التاريخ، جديدة وحرة!! وفي الوقت نفسه مثار تندر وسخرية الشارع العراقي. والسبب في ذلك، تركيزها على الطابع الاستهلاكي الدعائي الخطابي الضجيجي، مما اوقعها في اخطاء كارثية سقطت فيها ومازالت: ترويج ضلالات واكاذيب، خلق افتراءات مذهبية، تدجيل، تزلف، رياء، سرقات، ركاكة وسطحية التحليلات والاراء والافكار المنشورة فيها، ناهيك عن الانشائية البائسة التي تتميز بها، وغيرها كثير…. مما افقدها مصداقيتها لدى المواطن العراقي.
وامام هذه القضايا، دارت نقاشات عديدة حول حدود حرية الصحافة العراقية والتزامها المبدئي والمهني، وموقف نقابة الصحفيين العراقيين العتيدة- بفضل مقاوليها واسطواتها- بهامشيتها وتخلفها. فالحالة العراقية بمظهرها الخارجي الذي يبرز في حرص اكثر الاطراف- حزبية ومستقلة- على عدم المساس بحرية الصحافة، واحترام رأي الاغلبية في حدود مصلحة الوطن ضمن المسالك الديمقراطية. وهذا الامر يتطلب من اطراف المعادلة الصحفية راهناً ومستقبلاً (سلطة، معارضة، شعب، صحافة) ترسيم الاطر وتوضيح الثوابت للعملية الصحفية باشكالها المختلفة. ونحن لا نتجاوز الحقيقة اذا قلنا، ان الرؤية لهذه العملية مازالت مختلفة اختلافاً بيناً بين اطراف المعادلة، وان هذا الاختلاف مازال يشكل اهتزازات قد تتحول الى مؤثرات تنعكس على الصحافة ككل، وتضعها تحت طائلة سلبيات يكون ضررها اكثر من نفعها.
وحتى نتجنب هذه السلبيات يجب ان تكون الطروحات التي نطلقها كشعارات واضحة الدلالة، محددة المعاني، ناهيك عن وضع قاموس يشرح معاني دلالات المفاهيم التي تتضمنها طروحاتنا هذه… فاين تبدأ الحرية واين تنتهي، ومتى تكون مسؤولة ومتى تخرج عن حدود المسؤولية. وكذلك الحال في المصلحة الوطنية والمصلحة القومية، وقل مثل ذلك عن العادات والتقاليد والتراث… ولأننا تركنا الامر الى فهم الافراد فسوف تختلف بنا السبل ولا يمكننا ان نتفق على كليات نقف عندها اذ ان الامر في مثل هذه الطروحات ما زالت نسبياً محكوماً برؤية الافراد وثقافتهم والمؤثرات التي تحكم سلوكهم. فما اراه عادات حميدة يجب احترامها وصونها يرى غيري انها رجعية ومتخلفة، يجب ان نتجاوزها. هذه التناقضات تحكم مواقف العديد من مثقفينا وتنعكس بالتالي على وسائل الاعلام المختلفة.
والحالة التي بدأت فيها المرحلة السياسية بعد 9/ نيسان، تحتاج صحافة متميزة قادرة على الالمام بالاسباب التي اوصلتنا الى ما كنا فيه ومازلنا حتى نتجاوز اخطار المرحلة الراهنة والقادمة، ونقوى على الخروج من المطبات والحفر التي وضعت في طريقنا باقل التكاليف، لنصل الى المسار القادر على تغيير الدماء التي افسدتها المضخات الملوثة، التي كانت تصب في عروقنا، واوصلتنا الى مرحلة عدم التمييز بين الضار والنافع.
فالصحافة المتميزة الجديدة تحتاج اعادة نظر حقيقية في نصوصها وتقديمها وادوات اخراجها المختلفة، حتى تتجاوز صحافة الفرد/ القبيلة الى صحافة الوطن/ نبض الشعب، صحافة رسالة قادرة على الرؤية التاريخية ومتمكنة من استعمال وسائلهما في طروحاتها المختلفة للاحداث، وهي تفرق بين الموقف السياسي المتأثر بالاحداث التي تفرض المواقف وبين الموقف الرسالي القادر على معالجة الحدث الذي تصنعه الظروف بحيث يبدو الضعف امراً عارضاً ممكن زواله – حتمية تاريخية يؤكدها الحس الرسالي الذي يحكم حركة التاريخ لهذا الوطن والشعب- وتنيط مسؤولية المواقف التي افرزت هذا الضعف على المرحلة بعناصرها المختلفة، كما تفرض مسؤولية النهوض من الكبوة على الامة العربية كلها لا الشعب العراقي وحده. واذا فعلنا ذلك نكون قد اعطينا القرار السياسي فرصة قد يستطيع بها الوعي التغلب على واقعه ومكناه من القدرة على تحريك قدميه الى الامام وليس الى الخلف، كما هو الحال مع الممارسات السياسية التي انتهت بالمجتمعات العربية بكاملها الى ما هي عليه الان، لا اخص مجتمعاً ولا استثني احداً.
وقد يتطلب الامر لتحقيق حالة جديدة تتوافر لها اسباب النجاح، اعادة النظر في بعض المواقع التي اثبتت عجزها وعدم قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد، واستمسكت بالماضي استمساك الكافر بوثنه، ليس ايماناً منه بهذا الوثن ولكن ظنا منه ان الواقع الجديد يشكل خطراً على مكتسباته الني حققها له واقع الجاهلية الذي اوصل المرحلة الى ماهي عليه الآن.
ولعل الظروف التي عانت منها الصحافة العراقية قبل 9/ نيسان، بسبب بعض الاجتهادات التي لم تكن بعيدة عن النظرة الفردية للأمور، ولم تكن بريئة باجراءاتها… تعتبر سبباً مهماً يجب ان لا يغفل في عملية التقويم، كما ان اسلوب التعامل الرسمي وقتئذ، مسؤول عن استمرار هذا الواقع الذي مازال عاجزاً عن افراز قدرات جديدة يمكن ان تطور العملية الصحفية.
انني ومن خلال تجربتي المهنية في الصحافة التي ما زالت مستمرة، اعرف من سلبياتها اضعاف ما يعرف به غيري بشكل او بآخر… وعليه فانني هنا لا يمكن ان اناقش قضية الصحافة العراقية الآن بعيداً عن قضايا اخرى تؤثر فيها وتتأثر بها. واذا اردت ان اضع بعض الملاحظات حول سلبياتها، فيمكن ان ارصدها في الآتي:
1- كان هناك فهم خاطئ لمعنى حرية الصحافة، وكان هناك اعتقاد بأن ذلك يرجع الى عقود من الكبت الفكري والسياسي تعرض لها اصحاب الاقلام. ولكن هذا الفهم الخاطئ تجاوز كل الحدود، وقد اتضح ذلك في صراعات كثيرة حركتها المصالح ولم تحركها الغايات النبيلة، وانقسم فرسان الامية الصحفية اصحاب الصحف الى فرق واحزاب، وكانت الصحافة الجديدة الحرة هي الضحية في ذلك كله.
ان من يراجع ما كتب في الصحافة العراقية منذ التاسع من نيسان وحتى الآن يكتشف الى اي مدى كانت خسائرها، لانها تركت القضايا الحقيقية وركزت كل جهودها في صراعات مصلحية استنفذت كل طاقاتها.
وللأسف الشديد، ان هناك قضايا كثيرة ظلت معلقة امام تركيز هذه الصحافة على قضايا شكلية تافهة. وكان من المفروض ان تسعى صحافتنا الجديدة الحرة الى تأكيد القيمة الحقيقية لحرية الصحافة على المستوى السياسي والفكري، لانهما يمثلان القاعدة الاساسية لدور الصحافة ومسؤولياتها، ولكن صحافة الابتذال والسطحية كانت هي الاعلى صوتاً للأسف.
2- ان صحافتنا الجديدة الحرة تعاني اليوم ضغوطاً كثيرة تتعرض لها من جانب بعض الاحزاب والشخصيات النافذة المدعومة من قبل (…) هذه الضغوط تبدأ بتحميل الصحافة كل الاخطاء وتنتهي بمحاولة شراء بعض الاقلام، حيث ان كل مسؤول او رئيس حزب الآن يسعى الى استقطاب اقلام تحمل له المباخر فتبرر الاخطاء وتكتب مقالات المديح والتبرير، بل انها تصل احياناً الى مناطق الذمة. وبامكان المرء ببساطة ان يحدد لون كثير من الاقلام والرياح التي تحركها، والمصالح التي تقف وراءها. وهذا يعني ان هؤلاء المتنفذين سعوا بكل الوسائل الى افساد المهنة، ابتداءاً بشراء بعض الاقلام وانتهاءاً باصدار الصحف او مساندة بعضها. ولقد كان البعض يقف وراء هذه الصحف لتصفية حسابات او القصاص من معارضين او منافسين لخلاف في الرأي او المصالح.
3- الخلط الواضح بين الصحافة والاعلان، ولا شك في ان الفصل بينهما ضروري، لان الكتابة شيء والاعلان شيء آخر، واذا كان الاعلان يمثل وجهة نظر المعلن، فان الكتابة امانة ومسؤولية وموقف. وعندما تصبح الكتابة اعلاناً او يصبح الاعلان رأياً، فهنا تتداخل الاشياء وتفقد الصحافة اهم مقوماتها، وهي الامانة والموضوعية والمصداقية. ان الاعلان يمثل خط فاصل بين عمل الصحفي وعمل مندوب الاعلانات، بمعنى اخر، بين مصادر تمويل الصحف ومسؤوليات العمل الصحفي.
4- في هذا الركام الورقي، ظهر جيل جديد في صحافتنا الحرة لم يدرك بوعي رسالة هذه المهنة النبيلة واستخدم قدراته ومواهبه الوصولية وسط هذا المناخ الصحفي السيء. وهذا الجيل لم يجد من يوفر له مقومات العمل الصحفي بفكره ومسؤولياته وقدراته، ولذلك ضاع وسط مهاترات حزبية او شكلية استنفدت قدراته. وللاسف الشديد ان الجانب المادي بحكم ضروراته واغراءاته فرض نفسه فرضاً على هذا الجيل وسط ظروف حياتية وانسانية صعبة.
هذه بعض هموم صحافتنا الجديدة الحرة ولا يمكن ان نلقي مسؤولياتها كما يدعي البعض على نقابة الصحفيين، لانها (لا تحل ولا تربط). ولأن معظم هذه المشاكل جاء من الطارئين على العمل الصحفي وليس من داخله. كما ان هناك جانب آخر يقف وراء هموم الصحافة وسلبياتها هو قضية العلاقة بين الصحافة والسلطة والصحافة والمعارضة والصحافة وراس المال.
في تقديري، ان الصحافة تمثل اهمية خاصة لدى السلطة الواعية، انها تكشف الطريق وتحدد مناطق الخطر وتستطيع بحياد وأمانة ان تكون الصوت العاقل بجوار كل مسؤول امين. وحينما تتجرد صاحبة الجلالة من لعنة الاغراض والمصالح، فانها قادرة على ان تكون سنداً حقيقيا لكل مسؤول في موقعه.
كما ان مصلحة الوطن لا تكون بوقوف الصحافة الى جانب اطراف المعارضة الى درجة غض الطرف عن السلوكيات السلبية او الاخطاء او العجز في الكثير من الحالات التي لا تعدو ان تكون شكلاً كرتونياً يخلو من اي مضمون قد ينتهي بالمعارضة الى ان تكون مجرد عثرة في طريق السلطة- أية سلطة راهناً ومستقبلاً- وليس عوناً لها على مواصلة المسيرة في تحذيرها من عثرات الطريق وسلبياتها، وليس من مصلحة العراق كذلك في ان تقف الصحافة الى جانب السلطة تدافع عن سلوكياتها وتبرر اخطاءها وتضخم انجازاتها بل ان خير الوطن يكون في الموقف المتوازن من المعارضة والسلطة بحيث تكون عوناً لكليهما فتكشف الخطأ حيثما يكون وتنوه بالايجابيات من أية جهة كانت، وعندما تصل الى هذه المرحلة تكون بحق السلطة الرابعة التي يحترمها المواطن وتحفل بها السلطة والمعارضة على السواء. وحتى تصل- أي الصحافة- الى هذه المرحلة فان السلطة والمعارضة تحتاج مستوى متقدما من العدالة يعتبر مصلحة الوطن هي الراجحة ويكون الاحترام متناسباً تناسباً طردياً مع هذه المصلحة.
ان النقد الموضوعي رسالة، وكلمة الحق أمانة، والرأي الجريء مسؤولية، ولكن كثيراً من المسؤولين عندنا لا يريدون صحافة او رأي او كلمة صادقة، انهم يريدون فقط فريقاً من حملة المباخر. ومن هنا يكون الصدام احياناً بين الصحافة الملتزمة والسلطة.
في بعض الأحيان يكون المسؤول على درجة من الوعي بحيث يستفيد من كل ما تكتبه الصحافة حتى ولو كان نقداً. ومادام النقد بعيداً عن الاغراض والشوائب فان الأمانة تقتضي من المسؤول ان يسمع لهذا النقد ويعمل له الف حساب.
وامام بقاء المسؤولين فترات طويلة في مواقعهم وامام احساسهم بانهم اصبحوا دون غيرهم قادرين بحكم الخبرة على فهم كل شيء، وادراك كل شيء، فان موقفهم من النقد حتى ولو كان موضوعياً يصبح صعبا. من هنا كان رفض المسؤولين لمبدأ النقد، وهنا ايضا سعى بعضهم الى تجاوز منطقة الرفض لقضايا النقد الى محاولة السعي لاستقطاب اقلام ترد لا تحاور.
ثم جاءت خطوة اخرى هي محاولة اصدار صحف بصورة مباشرة او مساندتها بصورة غير مباشرة لكي تتبنى قضايا هذا المسؤول وتدافع عن انجازاته، وكان الأخطر من ذلك كله ان تصل عملية الاستقطاب الى تصفية الحسابات بين المسؤولين انفسهم من خلال الصحافة، وهذه كانت اخطر مناطق الانفلات في مسيرة الصحافة العراقية الجديدة الحرة.
هناك عشرات الصحف التي صدرت وخلفها اسماء غريبة لا يعرفها احد،، رغم اننا جميعاً نعلم الاعباء المالية التي يتطلبها اصدار صحيفة، ونرى اشخاصاً لا تاريخ لهم في العمل الصحفي يصدرون صحفاً ومجلات ولا احد يعلم من اين جاءوا بهذه الاموال وما هي الجهات التي تقف وراءهم؟ ووجدنا اقلاماً تدافع عن كل شيء وأي شيء… هذه الاقلام الفجة اساءت للصحافة العراقية وبدأ احيانا ان السلطة ممثلة ببعض منتسبيها تحميها رغم فجاجتها، وكانت النتيجة خسارة مشتركة للصحافة والسلطة في وقت واحد.
ان مثل هذه الاقلام اللقيطة التي تبدو احياناً وكأنها تتحدث باسم السلطة، تمثل عبئاً ثقيلاً على الجميع خاصة ان القارئ العراقي لديه من الوعي ما يجعله يدرك الفرق بين اقلام تدافع عن وطن واخرى تبحث عن مكاسب وصفقات ومصالح.
في هذه الثنائية، السلطة والصحافة، يطل جانب آخر على درجة كبيرة من الاهمية ظهر لاحقاً واصبح يمثل عبئاً على دور الصحافة، وهو راس المال.
لابد ان نعترف ان دور راس المال تضخم بشدة واصبح يمارس ضغوطا شديدة على الصحافة لا تقل في خطورتها عن ضغوط السلطة، وفي ظل علاقة لا يعرف احد مداها بين السلطة وراس المال، دخلت الصحافة طرفا ثالثا في هذه اللعبة. وهنا كان التمويل الغامض لبعض الصحف، وكان الاستقطاب الواضح لصحف اخرى تعمل لحساب بعض رجال الاعمال والسلطة. وكما حاول بعض المسؤولين والمتنفذين في وزارات الدولة استخدام الصحافة كوسيلة لتصفية الحساب بينهم، حاول بعض رجال الاعمال ايضا استخدام نفس الاسلوب لتصفية بعضهم بعضاً من خلال الصحافة.
ودخلت الصحافة بعد ذلك في علاقات اخرى مع رأس المال من خلال الاعلانات في البداية ثم التمويل الكامل في آخر المطاف. ولان الصحافة هي الحارس الحقيقي لمصالح المجتمع كان ينبغي ان تظل بعيدة عن مرمى نيران السلطة وراس المال، ولكنها للأسف الشديد دخلت السجال وأصبحت طرفاً فيه.
وهنا نقول، انه اصبح من الضروري كشف ابعاد العلاقة بين السلطة والصحافة وراس المال ليس لكشف الخبايا ولكن لتوضيح المواقف، وفي تقديري ان هناك خلافاً جوهرياً بين هذا الثالوث، ان السلطة عندنا تتحمل مسؤولية العمل التنفيذي، والصحافة سلطة رقابية تكتسب شرعيتها من مصداقيتها، وراس المال اخطبوط له مصالحه وحساباته، ولهذا ينبغي ان تحسب السلطة وصايتها التي تمارسها بطريق غير مباشر حتى ولو كان ادبياً على الصحف. ويجب ايضا ان نكشف هذا الزواج العرفي بين الصحافة وراس المال لانه زواج باطل.
وفي تقديري، ان الحل ممكن، يجب ان نضع مع الضوابط ما يجعلنا قادرين على كشف مصادر تمويل الصحف. وهنا يأتي دور نقابة الصحفيين لأن اي تلوث يمس صاحبة الجلالة العراقية يسيء لمجموع الصحفيين في نهاية المطاف. ولا ادري كيف ستستطيع نقابة الصحفيين ان تسد هذه الثغرات، وهل في قانون النقابة ما يكفي ام يحتاج الى اجراءات وربما تشريعات اخرى لمواجهة ذلك؟
يدخل في هذا النطاق ايضاً تلك الصحف التي تدخل العراق من دون حسيب او رقيب، فانه ينبغي ان يكون لنقابة الصحفيين موقف في ذلك لانه لا يعقل ان تحاسب النقابة على اخطاء صحف لم تشارك حتى بالمشورة في اصدارها، كما ان نقابة الصحافيين يجب ان يكون لها دور اساسي في ترخيص اصدار الصحف.
ونستطيع ان نعتبر الاعلام الغربي في هذه القضية انموذجاً، فهو رغم ما يتمتع به من حرية تنعكس على ادائه الذي يستبيح الكثير من الحريات الا انه عند مصلحة الوطن والشعب يرتد الى اضيق الدوائر ويستبيح كل المحرمات لصالحهما، يتخلى عن حريته ويلجأ الى الكذب ويمارس كل الموبقات ولا يتهاون بأي سلوك مهما كان هيناً ان شعر بأن في ذلك اساءة لهما. وهذا لا يعني ان يغض الطرف عن اخطاء صانعي القرار او الممارسات التي قد تطول مصلحة الوطن والشعب ولكنه في معالجته لمثل هذه الامور لا يخرج عن الاطار الذي يحقق المصلحة العامة لكليهما. والذين يقولون ان الاعلام الغربي غير ملتزم فهم غير قادرين على فهمه بل عاجزون عن ادراك ابعاد الدائرة التي يتحرك بها، والامر لا يحتاج الى امثلة لاثبات هذه الحقيقة. فامامنا حالات كثيرة يظهر فيها الاعلام الغربي منحازاً الى درجة العمى عندما تكون له مصلحة او هوى تجاه موقف من المواقف في قضية من قضاياه المصيرية بغض النظر عما يترتب على هذا الموقف من ردود افعال متقاطعة….
ورغم معرفتنا لهذه الحقائق فاننا مازلنا نقف من آليات عمل هذا الاعلام موقف المتدرب ولا نحسن قراءته لمعرفة الجوانب السلبية والايجابية منه بينما المفروض حتى نستفيد من آليات عمله يكون تلقينا له تلقي الواعي فيأخذ المفيد ويتجنب الضرر. واننا، كذلك لا نستطيع ان نتخلى عنه بل على العكس من ذلك يجب ان نستفيد قدر ما نستطيع من التقنية التي وصل اليها والاساليب التي يتعامل بها مع جمهوره، كما يجب ان يدرك اصحاب القرار عندنا ان المرحلة التي وصل اليها هذا الاعلام تقنية واسلوباً هي من الروافد الاساسية التي اسهمت اسهاماً مباشراً في تطوير مؤسسة الحكم الغربي بكل ما تمتلك من وسائل القوة والتأثير وان مصلحة الوطن والسلطة على السواء ان تتجاوز اعلام القبيلة الى اعلام الرسالة والذي يمثل الاعلام الغربي نموذجاً من نماذجه.
ان أية مقارنة بين واقعنا الاعلامي وواقع الاعلام في الدول المتقدمة تردنا على اعقابنا لاختلاف الظروف والاسباب التي جعلت الفرق بين الحالين في هذا التشوه الظاهر في جسم الاعلام العراقي بدوائره المختلفة، وان التشوه انتقل الى عيوننا واسماعنا فيما نسمع او نرى بحيث لم نميز بين الصورة الجميلة والصورة الرديئة ولا ندرك الخلل في ذبذبات الصوت الكاذب ولا نتذوق طعم الجمال في الصوت الاصيل.
ان الصحافة غير المتوازنة والتي يعتريها الارتباك والاختلال لابد وان يكون لها انعكاساتها السلبية على مقومات المجتمع ونسيج خلاياه. فأدوات الصحافة هي ادوات ثقافية تساعد على دعم المواقف او التأثير فيها وعلى توحيد مناهج السلوك وتحقيق التكامل الاجتماعي، وهو المحرك والمعبر عن حاجات المواطن وطموحاته وآماله، وهو المنهل الذي يستقي منه المواطن الاراء والافكار، كما انه الرابط بين الافراد والموحي لهم بشعور الانتساب الى مجتمع واحد، ناهيك عن انه الوسيلة لتحول الافكار الى اعمال والاحاسيس والماهيات الى واقع عملي حي.
كما ان الصحافة لا يمكن ان تزدهر وتثري المجتمع مالم يتم تعزيز العلاقة الجدلية الحميمة بينها وبين المواطن، وذلك بتوفير الظروف المواتية لتدفق المعلومات بموضوعية وتجرد تحت مظلة الديمقراطية التي تكفل للمواطن حق الكلمة المسؤولة النابعة من القيمة الرفيعة للعقل البشري والمترفعة عن الانحياز والانفعال او التشنج او التوجه العدواني.
وحيث ان الصحافة في الاصل هي حاجة وليست سلعة، فانه لا بد من الاعتراف بان الصحافة عندنا مازالت قاصرة عن النفاد الى رحم المجتمع بمناحيه المختلفة، والمأمول منها التطلع الى التعامل مع عقول الناس ووجدانهم بما يمكن ان ترقى بهم نحو القيم العليا والطموحات النبيلة والاهتمام بصقل مشاعرهم واحاسيسهم واستفزاز طاقات المواطن الابداعية والخلاقة.
وفي الوقت الذي يتوجب فيه الاقدام، على الصحافة ان تفسح المجال للتلاقح المعرفي في المجالات المختلفة، فان الصحافة ايضاً مخولة بحماية الهوية الثقافية الوطنية واحباط أية محاولات داخلية او خارجية لفرض قيم مستوردة ناشزة وغريبة وضارة بالصالح العام ومستقبل المجتمع.
ان المسؤولية الاولى في عملية التقويم تقع على كاهل الصحافة العراقية وصحافيينا، فمن جهة الصحفيين يجب ان يبدأوا المبادرة الجادة وعلى الصحف اليوم ان تتحمل مسؤولية هذه المبادرة والتمكين لها ويجب ان لا تقع ضحية الخوف او الوهم من السلطة- أية سلطة- لان هذه السلطة ان احسن التعامل معها لديها الاستعداد للتجاوب، فكيف اذا جاء قرار الديمقراطية والتغيير منها؟!
ان العديد من القضايا التي تطرح عبر الكتابات الصحفية التي تنشر في صحفنا، تصيبنا بالدهشة والاستغراب والمرارة لهذا الواقع الاليم الذي وصلنا اليه. فالمعلومات وتحليلها مبتورة، والحقائق ناقصة، والاحداث مشوهة، والمصادر معادية بما يثير الشبهات حول الاهداف المتوخاة مما يبث الرعب والقلق والخوف على مستقبل هذا الوطن وهذا الشعب.
ولما كان الكاتب الصحفي والمحلل والباحث هم اساس العملية الصحفية، وهم القادة والعاملون على تكوين الرأي العام وتوجيه المجتمع من خلاله، فان موقعهم الهام ينبع من اهمية المهمة الوطنية الملقاة على عاتقهم وعظم المسؤولية التي يتحملونها في مجتمعهم، ارادوا ذلك ام لا. فهم من هذا المنطق في دائرة الضوء، وكلامهم المسموع والمقروء امانة، وآراؤهم وتحليلاتهم ترصد ويتم التفاعل معاً، سلباً او ايجاباً، والناس المستهلكون لبضاعتهم- ان جاز التعبير- اذكياء بحس وطني مرهف رغم بساطتهم وطيبتهم التي تصل الى درجة السذاجة العفوية في بعض الاحيان. من هنا، فلا مجال للخداع ولي رقبة الحقائق والتناقض والتحايل على الناس في عقلهم ووعيهم، بل والاهم، ان هذا ليس من شيمنا واخلاقنا، ويتناقض تماماً مع مصالح الوطن والشعب.
وعليه، فان الكاتب مطالب بالانسجام مع نفسه خلال عرضه او تحليله لقضية عامة تهم الشعب والوطن، فلا مجال للتناقض والتشويش، فالقارئ في بلادنا وهو يعيش حياة مليئة بالمفاجآت والتناقضات والاحباطات، بحاجة الى من يساعده بأمانة على تحسس موقعه واداء دوره الطبيعي المشروع في صنع القرار وبلورة الرأي حول ما يجري حوله وتحمل المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه ضمن محيطه الاجتماعي الواسع الذي ينتمي اليه ويعيش آلامه وآماله….
كما انه من الطبيعي جداً ان تختلف الاجتهادات وتتعدد الآراء والرؤى حول الامور والقضايا العادية المطروحة، فكيف اذا كانت هذه القضايا العراقية الراهنة وبمجموعة الحلول المقترحة الآن بخصوصها، والاضاع الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تعيشها بلادنا، والتي يرتبط بها مستقبل اجيالنا القادمة بابعادها المختلفة وما يرافق ذلك من ضغوط واشكالات، مسؤولة عن تبديدها.
لكن الاهم ان نمارس العملية الديمقراطية في تعاملنا مع هذا الاختلاف في الاجتهاد وتعدد الآراء من منطلق ان لا احد يمتلك الحقيقة المطلقة، والحقيقة تولد من خلال الحوار واختلاف الآراء وتلاقح الافكار وتداخلها وتمازحها وصولاً الى القواسم المشتركة التي تصب في مصلحة الوطن والشعب، وتقلل ما امكن من الخسائر والاضرار.
وفي هذا الاطار، فان مسؤولية الكاتب/ الصحفي، ان يساعد المواطن/ القارئ على التفكير والتحليل واتخاذ القرار المستقل دون املاء او ايحاء، والذي ينسجم مع ضميره وحسه الوطني ومصلحة شعبه من خلال كشف الحقائق حول الموضوع المثار، كونه اكثر إطلاعاً وإلماماً بالمعلومات وتفاصيلها من الانسان العادي الذي يعيش وللأسف في حالة قلق وتناقض وتوتر، بسبب جهله بحقائق ما يجري. فمن المسؤول عن هذا التعتيم، بل والتضليل في بعض الاحيان؟ الا يتحمل الكتّاب والمحللون السياسيون مسؤولية هذا الواقع الشاذ؟
لقد سئم العراقي تقلبات العديد من الكتّاب وتناقضاتهم وهلاميتهم وانتقالهم المشين من خضن الى حضن ومن معسكر الى نقيضه كون ذلك يمثل احتقاراً لعقله وذاكرته، وضحكاً عليه وخداعاً له وانتقاصاً من كرامته وانسانيته. واذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فان هذا المواطن سيفقد ثقته بكتّابه وصحافته ليبقى فريسة للاشاعات والدعاية المعادية، وما يرافق ذلك من انفعالات وتحركات عشوائية مدمرة او يأس واستسلام وتبعية.
ان صحافتنا باشكالها المختلفة والكتّاب جزء منها، مطالبون باعادة رسم السياسات والاستراتيجيات الصحفية وما ينسجم معها من ممارسات عملية ليس لجيلنا فحسب بل وتحضير الاجيال القادمة بما يكفل تفجير طاقاتها الكامنة وانعتاق وتحرير افكارها وتوفير المناخ المناسب لعملية ابداعها خدمة لاهدافها النبيلة في بناء صرح التقدم والتطور الحضاري جنبا الى جنب مع الشعوب والامم المتقدمة. كل ذلك ضمن اجواء من الحرية والديمقراطية المسؤولة واحترام الفكر واختلاف الرأي وتقديس انسانية وكرامة الانسان بعيداً عن الوصايا والارهاب الفكري، وهذا بطبيعة الحال ينسجم مع ديننا وتاريخنا وقيمنا التي تركت بصماتها على التطور الحضاري والانساني.
كما ان في حالة صدق نية تطبيق الديمقراطية عندنا اصولياً ستشكل وعيا حقيقيا لتطور مفهوم الحكم وتعطي بالنتيجة فرصة ثمينة لمنابر التعبير المختلفة لكي تتطور هي الاخرى كذلك وتحسن التعامل مع المستجدات والافادة منها. وهي ان لم تحسن التعامل معها وبقيت ضحية تخلفها لن تقوى على علاج حالة المرض غير الطبيعي والتي تبدو للبعض على خلاف الحقيقة مما قد يسبب نكسة تخيب الامل بعودتها الى الوراء وما يترتب على هذه العودة من امراض لا يعلم الا الله عواقبها الوخيمة.
ان الواقع الجديد يفرض مسؤوليات كثيرة على المؤسسات الصحفية وعلى الصحفيين كما ان هذه المسؤوليات تتجاوز الثلاثية الاعلامية- المسموعة والمرئية والمقرؤة- الى مؤسسات الدولة المختلفة والقوى البشرية المؤثرة بها لانها الميدان الطبيعي للممارسة الاعلامية باشكالها المختلفة.
واول المبادرات يجب ان تبدأ في نقابة الصحفيين، فقد آن الاوان لكي تتجاوز الحركة الروتينية التي حكمت حركتها منذ زمن طويل وجاء الوقت الذي يجب ان ترسي فيه قواعد العمل النقابي المبدئي الصحيح فتخرج من الاطر القديمة وتحدد معالم مهمتها والطرق التي تحول هذه المهام الى واقع وممارسة ينعكسان على الواقع الصحفي بادواته المختلفة بقيم متفق عليها تحكم المؤسسة والصحفي على حد سواء. اما ان تبقى اوساط النقابة راكدة لا يشعر احد بوجودها الا في فترة الانتخابات وتجديد الهويات فهذا امر اصبح غير قادر على الاستمرار، كما يجب ان يتجاوز فهم المؤسسة الصحفية حدود الخدمات والتنافس المحكوم الى حد كبير بالمردود المادي الى الدور الوطني الذي تمارسه صحافة العالم المتقدم من خلال ريادتها لعملية التطور في النقد والتقويم والتنويه على السواء وان تكون في موقعها اقوى من التأثيرات ووسائل الضغط التي قد تتعرض لها. كذلك فان مهماتها -اي النقابة- ايضا في القادم رفد المؤسسات الاعلامية المختلفة بالرؤية الوطنية والقومية وحراستها والحفاظ عليها من خلال الوسائل الديمقراطية التي وصل اليها العالم المتقدم.
والامر في ذلك كله يحتاج من الجميع ادراكاً حقيقياً للدور التاريخي المنوط بهم في هذا المنعطف الذي هو بحق اخطر منعطف وضع فيه العراق على امتداد تاريخه على كثرة المنعطفات التي تعرض لها.
ان ما حدث بعد 9/ نيسان لصحافتنا ينبغي الا تجعل منه مذبحة للصحافة كلها، واذا كان البعض قد اخطأ في ممارسة الحرية فلا يعني ذلك ان نغلق ابوابها، فاذا كان للحرية سلبيات وايجابيات فيجب ان نحاسب من أخطأ في ممارسة هذا الحق وان نشجع بكل الوسائل من يمارس هذا الحق بمسؤولية وأمانة ضمير.
ان حرية الصحافة من مفاخر العراق الآن مهما كانت مساحة التجاوزات ويجب ان يكون علاج سلبيات حرية الصحافة بمزيد من الحريات وليس اي اجراء آخر. ولكن الذي اريد ان انوه اليه في خاتمة مقالي هو ان نجاح الانسان ليس بالمناصب التي يصل اليها ولكن بالانجاز الذي يحققه لوطنه ومجتمعه من خلال موقعه وهو يعلم ان الأعلام من اخطر الوسائل في قوة التأثير سلباً وايجاباً وان شعبنا العراقي يعيش الآن معركة ضروساً مع خصوم كثر استطاع هؤلاء ان يجعلوا الاعلام وسيلة الهجوم التي سخروا فيها كل الاسلحة الفتاكة ليبقونا في حالة التخلف والردة التي اوصلتنا الى ما نحن فيه، وتحرص على ان لا نتجاوزها علماً ان مخزون شعبنا وقدراته المادية والبشرية المختلفة قادرة على ان توقف حالة الانهيار الموروثة من الانظمة السياسية السابقة ان توفرت القدرة والخطة والنصرة، ونحن معشر الصحافة العراقية قادرين ايضا على وضع بدايات العمل الرائد على الامتداد والانتشار ولن نعدم الرجال المقتدرين الذين يقفون الى جانبنا يمدوننا بالرأي والمشورة والخبرة كما لن نعدم النصرة التي تحول الفكر الى واقع اذا تهيأت له اسباب الحياة.
ان العراق كله بسلطاته الراهنة والمستقبلية وبمواطنيه في هذه الظروف العصيبة يتطلعون جميعا الى نموذج اعلامي يعي الواقع ويحسن التعامل مع الاحداث ويسخر كل الاسباب في عملية الحشد في وجه التحديات الجديدة القادمة.
ان الاعلامي الناجح هو الذي يوجه العقول ويكيف اتجاهاتها الفكرية والسياسية في عملية البناء الجديد، يرفض الافراط في تناول الامور تناولا غير طبيعي ولو كان مدحاً لان الافراط في المدح قد يخرجه عن مضمونه وقد يكون تغطية لضعف او استجلابا لمنفعة غير مشروعة.
ان الخطاب الاعلامي العراقي يجب ان يميز عن غيره في المنطقة لان طبيعة العراق ودوره التاريخي يفرضان عليه هذا التميز وتخرجه من دائرة اعلام الفرد والقبيلة ليدخل الى قلب المعركة ويحمل هموم الجماهير، فلم يعد الامر ينفع معه تستر او سكوت لان اجهزة اعلامنا في النظام السابق قد اصابها الكثير من الخلل (قسراً) فانفصلت عن جماهيرها ولن تعود الى وضعها الطبيعي وفاعليتها المؤثرة الا اذا عادت الى هذه الجماهير بمشاركتها في قناعاتها وتحمل همومها وهي تحتاج جهداً كبيراً حتى تعود الى جماهيرها.
ان الحديث عن الاعلام العراقي بمؤسساته المختلفة التي لا تقف عند الصحافة والاذاعة والفضائية بل تتجاوزها الى السينما والمسرح ووسائل التعبير المختلفة…. كلها لم تنج من ضربة الشمس التي اثرت على ادائها بشكل او بآخر وان هذا التأثير قد اصابها بنقص امتد الى رسالتها.
انني ارجو زملاء المهنة ان تمتد ايديهم الى كل مجالات الاعلام مرة واحدة فترد لها اعتبارها. لان الامر هذه المرة جد، وان المسؤولية كبيرة ولكن الامل بالله اكبر ان يمكننا من ان نحقق طموح الوطن في اعلام قادر على ان يكون في مستوى المرحلة.
انها دعوة متواضعة بوقفة صادقة مع الذات ومراجعة امينة لواقعنا المر لمواكبة الركب الحضاري الذي لا مكان فيه للجهلة والمتخلفين والضعفاء والسفهاء….. فهل نعي هذا التحدي المعرفي/ الحضاري الحاصل الآن؟ وهل ستتحمل صحافتنا مسؤوليتها بامانة واقتدار؟.
انها اسئلة بحاجة الى اجابات تترجم في الواقع العلمي ابداعا وانعتاقا للفكر وتفجيرا لطاقات العقل، وامكانات المجتمع، وتحريراً للرأي، واحتراما لكرامة العراقي وانسانيته وحقه المشروع في المشاركة السياسية وصياغة واقعه ومستقبله.
ان الرؤى الاستشرافية للمستقبل تؤكد انه يقع على كاهل صحافتنا مهمات جسيمة وصعبة، عليها ان تتحمل مهماتها تلك بمسؤولية واقتدار والتزام.
[email protected]