توافق هذه الأيام ذكرى النكسة الكبرى, لسقوط الموصل ثانية مدن العراق, بيد تنظيم داعش الإرهابي في غمضة عين, وكأن الموصل لم يكن فيها 32 ألف شرطي, ولا تحيط بها ثلاث فرق عسكرية, مدعومة بأحدث الأسلحة والمعدات .
ثم ما لبثت أن سقطت باقي المدن كقطع الدومينو, واجتاح داعش محافظة صلاح الدين, وأطراف كركوك وديالى والرمادي, وصولا الى حزام بغداد, وسط تهويل وضجيج إعلامي دولي وإقليمي, يتغنى بداعش ويبشر بجند الخلافة, الذين سيسقطون حكم المجوس والروافض .
فمناظر الأسلحة والآليات العسكرية, التي استولى عليها داعش, صارت تملأ قنوات الجزيرة والعربية, وألبسة الجيش الرافضي ورتب ضباطه رميت على الأرض, تدوس عليها الأقدام, وقوافل الضباط والجنود المهزومين الى إقليم كردستان, صارت تعرض على قنوات الشرقية والتغيير والبغدادية .
وحين تصور البعض إن احتلال داعش لمدينة الموصل مسألة وقت, جاءت الصدمة الأخرى في قاعدة سبايكر, حين قامت مجاميع الارهاب التي خرجت من جحورها, بقتل أكثر من 1700 شاب بعمر الزهور بدم بارد, مدعومين بفتوى من عبدالملك السعدي, الذي اوجب الالتحاق بجيش العزة والكرامة, ضد الجيش الشيعي ! .
وعمت الأفراح والأعراس ربوع الدول الداعمة, فرحا بعودة بغداد الرشيد الى محيطها العربي, وتخليصها من حكم الروافض والهنود الحمر, فأبو محمد العدناني قد أعلن دولة الخلافة, وتوعد بتهديم النجف وكربلاء وبقية المراقد الشيعية, وإبادة كل رافضي لايعلن تسننه ومبايعته للخليفة البغدادي, الذي ارتقى منبر الجامع الكبير في الموصل .
العريفي يدعي ان النبي (ص) بشر بالخلافة على منهاج النبوة, وحاتم السليمان وخميس الخنجر يصرحون بأن هؤلاء ثوار عشائر, وان تحرير بغداد مسألة وقت فقط, والنائبة في البرلمان العراقي ميسون الدملوجي تصف الدواعش بالكياسة, وان الموصل أمينة بيد الثوار, فيما قال عامر الكبيسي إن داعش سوف تفضح كذبة الأغلبية الشيعية في بغداد, وأعلن المتحدث باسم ساحات الاعتصام غانم العابد, أنه متحالف مع الدولة الإسلامية, وان الذي حدث هو انتفاضة شعبية, وهو مادعا محافظ الموصل أثيل النجيفي, أن يتفاوض معهم ويقول إنهم أفضل من الجيش !.
كل ماجرى والرئيس الامريكي أوباما, واضع رأسه في الرمال لايرى مايحصل, وكأن العراق غير مرتبط مع أمريكا باتفاقية الدفاع المشترك, ولها فيه اكبر سفارة في العالم, فيما سارع الأكراد لإقتناص الفرصة, والحصول على الغنائم من أسلحة الجيش العراقي, وضم الأراضي التي لم تسيطر عليها داعش الى الإقليم, حيث أعلن البرزاني عن رسم حدود جديدة .
أما بغداد؛ فقد أخذت تتلاطمها أمواج الصدمة النفسية والدعاية الإعلامية, التي أفقدت قادة الدولة صوابهم, وعجزوا عن تدارك أوضاعهم, فما حصل نتيجة فشلهم في إدارة الدولة, وتسخير إمكانياتها لمصالحهم الشخصية, دون التفكير بما يجري من حولهم من مؤامرة كبرى, كان نتيجتها أن اكتظ مطار بغداد بعوائلهم, هربا من القادم .
ووسط أجواء الخوف والفوضى, جاء الصوت الهادر من النجف الأشرف, أن حي على الجهاد من استطاع إليه سبيلا, ليوقظ العنقاء من سباتها, وينتفض الغضب الجنوبي, لينجب رجالا أباة لا يهابون الموت, خرجوا من بيوت الطين, ومن أكواخ الصفيح ومضايف القصب, حفاة بصدور عارية, لا يرهبهم الموت, ولا يرجون جزاءً ولا شكورا, حولوا الذل الى فخر والهزيمة الى نصر, وحققوا ماعجزت عنه جيوش وتحالفات دولية واتفاقيات أمنية, رغم كثرة العدو وقلة الناصر .
بفضلهم نشهد اليوم نهاية النكسة, وأياما سودا مرت تكالبت فيها الأعداء على هذا الوطن, من بعثيين وإرهابيين وطائفيين, وخانه المتخاذلون والانتهازيون أصحاب المصالح الشخصية, وسيكتب التاريخ بأحرف من نور, عن رجال الحشد الشعبي فرسان هذا الزمان, الذين أعادوا الحياة لوطن, في أنفاسه الأخيرة .