18 نوفمبر، 2024 12:33 ص
Search
Close this search box.

أول ملحق علمي في الصحافة العراقية – “طب وعلوم” .. متى وكيف صدر …؟!

أول ملحق علمي في الصحافة العراقية – “طب وعلوم” .. متى وكيف صدر …؟!

تحت عنوان ” عن تاريخ الأعلام العلمي في العراق”، وبتاريخ 20 كانون الأول 2011، قرأت للدكتور عامر هشام الصفار، مقالا تطرق فيه إلى ملحق “طب وعلوم” الذي صدر العدد الأول  منه بتاريخ 21/4/1977، عن جريدة “الجمهورية” التي كانت تصدر في بغداد يومذاك.
لقد ذكرني الموضوع بإنجاز ريادي في تاريخ الصحافة العراقية، ما زلت أتشرف بكوني كنت أحد الذين شاركوا في إطلالته إلى النور، إذ كان المسؤول الأول عن تحريره هو الزميل الأستاذ سجاد الغازي، وكنت مساعدا له، وكان الزميل نصير النهر أحد المحررين الرئيسيين فيه، ولكننا وجدنا أنفسنا على حين غرة خارج هذا الملحق الذي كان يصدر بالألوان وبثماني صفحات من الحجم الكبير، ويوزع مجانا وكأنه جريدة داخل جريدة سياسية عامة. لم نجد أنفسنا خارج الملحق فقط، بل وخارج دار الجماهير للصحافة التي كان يصدر عنها تماما، إثر صدور قرار بإحالة الأستاذ سجاد الغازي الذي كان يشغل منصب الأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب على التقاعد، من قبل ما كان يسمى بمجلس قيادة الثورة، ونقل الزميل نصير النهر إلى وزارة النقل أو المالية “لم أعد أتذكر بالضبط” ، ونقلي شخصيا إلى وزارة الصحة.
كنا قد استقطبنا في ملحق “طب وعلوم” الكثير من الكفاءات الصحفية والطبية والعلمية، التي كانت تعمل بشكل متجانس من أجل تعميق الوعي الصحي والعلمي لدى عامة الناس، ومن أجل مد جسور من التفاهم والثقة والتفاعل بين العلماء والأطباء وعامة الناس، وكنا نبحث عن أفضل صيغ التبسيط في عرض الحقائق والمعطيات العلمية والطبية دون التفريط بجوهرها أو بعلميتها لتكون في متناول أوسع القطاعات الممكنة من القراء عامة على اختلاف مستوياتهم ومداركهم واهتماماتهم التي تتعلق بالعلم والصحة والحياة.
ومع الحرص الدائم على ديمومة إصدار ملحق “طب وعلوم” صباح كل خميس، و تحقيق تطور مستمر، يميز كل عدد جديد عن كل عدد سبقه، تمكننا – وبشكل مخطط له – من توفير مادة كبيرة جدا، تتيح أفضل الفرص أمام التوازن والتنوع، وتحقيق تطور دائم ومستمر للملحق. وهكذا فان هيئة التحرير المؤسسة للملحق، والتي غادرت مرغمة المؤسسة الإعلامية التي كان يصدر عنها، تركت وراءها الكثير من الملفات والمواضيع الجاهزة للنشر، والتي تغطي فترة غير قصيرة من فترة الصدور اللاحقة.
لا أعرف كيف واصل الملحق صدوره بعد مغادرتي إياه، ثم بعد مغادرتي العراق. ولكنني حملت معي عددا واحدا من الملحق هو العدد 53 الذي صدر في العشرين من شهر نيسان “أبريل” عام 1978 بمناسبة مرور عام واحد على صدوره. وبعد قراءتي مقال الدكتور عامر هشام الصفار عدت إلى العدد المذكور، ولفت انتباهي وجود مادة بين مواده حملت عنوان “كيف أصدرنا ملحق –طب وعلوم- “، حملت توقيع (طب وعلوم)، ولكن كاتبها تحديدا كان هو الزميل نصير النهر، وقد وجدت ان المناسب جدا إعادة نشرها كاملة خدمة لقضايا الأرشفة والتوثيق والتدقيق.
بين المقترحات التعجيزية
والمفاجأة غير المتوقعة ..!
————————–     
قال رئيس التحرير : “في نيتنا ًإصدار ملحق علمي أسبوعي” . ويبدو انه طرح الموضوع على العديدين قبلي، إلا أنني لمست من استغرابه – بعض الشيء – انه لم يتلق رأيا إيجابيا، أو بولغ بحجم المصاعب التي تقف أمام صدور واستمرارية ملحق كهذا.
كان جوابي، أن بإمكاننا، وبنفس كادر الجريدة إصدار ملحق علمي جيد. ولا أكتم ان العديد من الزملاء نظروا إلى رأيي هذا “نظرة رثاء”، معتبرين ان امكانياتنا وفق هذا التصور مبالغ فيها كثيرا.
لم يكن المنطلق هو الصفر، فالأركان الصغيرة في صحفنا وفي الصفحة الأخيرة .. كانت تحمل علامات تفاؤل كبيرة، ذلك انها أتاحت الاطلاع على ما تحمله وكالات الأنباء والصحافة المتوفرة من أخبار ومواضيع علمية، وما يمكن أن تقدمه لملحقنا المقترح من مادة، وكذلك البرامج العلمية في مختلف المحطات الإذاعية، إضافة إلى النشاطات العلمية الوفيرة التي تفرض وجود صحافة تعمل على تغطيتها ومتابعتها وتطويرها.
الأساس النظري لمادة الملحق كان موضع تصور .. ولكن التطبيق ..!
طلب رشيس التحرير مقترحات، ثم تشكلت مجموعة دراسة كانت أشبه ما تكون بهيئة استشارية، وقد لعبت هذه المجموعة دورا بارزا في صدور هذا الملحق والتهيئة الفكرية له.
العمل جرى هكذا … اجتماعات واجتماعات ونقاط اختلاف والتقاء، والتوقف عند نقاط حرجة كان يبدو من الصعب اجتيازها. كان في نظر بعض الزملاء اننا لم نتحرك من مواقعنا، وان هذه الاجتماعات لم تسفر عن شيء، ولكنها في الحقيقية اسفرت عن أشياء مهمة كثيرة، أهمها التهيئة لنقطة الانطلاق من خلال الوضوح الفكري لهذه العملية.
نحن إذن لسنا بحاجة إلى اختصاصيين في المجالات المختلفة، كما اقترح بعض الزملاء، ويمكن اعتبار جميع الاختصاصيين سندا للملحق، علما بأنه ملحق أسبوعي لجريدة يومية هدفه تبسيط العلوم للقاريء، وليس مجلة أكاديمية صرفة. ثم أننا لو أخذنا بمبدأ الاختصاصيين لاحتجنا إلى “أكاديمية للعلوم”، ذلك أن أي فرع من العلم يتشعب إلى عشرات الفروع والاختصاصات الدقيقة والبالغة الدقة..!. من هنا كان النظر إلى هذه المقتراحات بانها “تعجيزية” ..، ومادام هدفنا واضحا فالمباشرة تعتبر الآن أساسية.
في مجموعة الدراسة قلت للزملاء ” نحن أيضا متخصصون علميون” … لدينا اطلاعات لا بأس بها بالصحافة والسياسة والفلسفة “وهذه كلها علوم”. ونظرتنا للحياة عموما نظرة علمية يمكننا من خلالها التمييز بين الخطأ والصواب، ولا عيب في استشارة أصدقائنا المتخصصين في الأشياء التي لا نعرفها.
وهنا كانت نقطة حرجة أخرى، ربما يكون سببها الخوف من الفشل .. وهي من الذي يتحمل مسؤولية الملحق ..؟ وعرضت كافة امكانياتي تحت تصرف الشخص الذي تتم تسميته.
الزملاء في مجموعة الدراسة أعربوا عن عدم استعدادهم، خاصة وإن لديهم مسؤوليات أخرى في الجريدة، وعرض رئيس التحرير نفسه كمسؤول مباشر عن الملحق، إلا أن الرأي استقر على ان مسؤولية مطبوع جديد هو الأول من نوعه  في القطر تعتبر إضافة ثقيلة إلى مسؤولياته المتعددة.
وكانت المفاجأة غير المتوقعة ..
كلف رئيس التحرير الزميل سجاد الغازي بتولي المسؤولية، والمفاجأة هي في كون الزميل سجاد لم يساهم في أية جلسة من جلسات المناقشة السابقة، وطلب مني الزميل سجاد التعاون معه.
قررنا أولا وقبل كل شيء، عدم عقد الاجتماعات والانصراف لتهيئة المادة، وتكليف عاملين من داخل وخارج الجريدة لتزويدنا بمواد علمية  وفق الاتجاه المحدد، والاتصال بالجهات والشخصيات العلمية. وحددنا يوم 14 نيسان “أبريل” 1977 لإصدار العدد صفر، ويوم21نيسان “أبريل” لإصدار العدد “واحد”، ولا بأس إن تأخر موعد الإصدار أسبوعا، أو تقدم اسبوعا، وكان مبدؤنا في العمل هو ان إصدارنا للأعداد الأولى سيستقطب الكثير من الاختصاصيين والكتاب.
قبل الموعد المحدد للإصدار بأكثر من أسبوع عقدنا الاجتماع الأول لأسرة الملحق، والذي ضم الأشخاص الذين قدموا المادة الأساسية وهم الزملاء : سجاد الغازي، خالد الحلي، الدكتور توما شماني، يحيى الشمال، مالك البكري، وأنا “كاتب هذه السطور كما ذكرنا هو الزميل نصير النهر”. وباستعراض المواد المتوفرة، تم تنسيق مواد الأعداد السبعة الأولى، مع ترك الفراغات للمواد الآنية طبعا.
عندما طلب رئيس التحرير من الزميل سجاد تقديم تقرير عن سير العمل في الملحق، قدم له الزميل سجاد مواد الأعداد السبعة باعتبارها أفضل تقرير عن سير العمل. وعندها تقرر إلغاء العدد “صفر” والمباشرة بإصدار العدد الأول .. وهكذا صدر ملحق “طب وعلوم”.
***
هذه هي قصة ملحق “طب وعلوم” من مرحلة ما قبل الولادة إلى مرحلة ولادته الفعلية و بلوغه العام الأول من التطور والازدهار. وكلنا شوق وتوق الآن لأن نجد من يكمل لنا قصة الملحق منذ مرور عام واحد على صدوره، وحتى توقفه عن الصدور الذي لا أعرف تاريخه المحدد.

[email protected]

أحدث المقالات