العراق الذي كان في يوم من الأيام، يجمع على أرضه، كل أطياف الشعب، دون تمييز أو طائفية، وما برح شعاره الوحدة، وعنوانه التآخي، حتى بعد سقوط صدام حسين واستمرار الاحتلال الأمريكي، لم تفرقه الطائفية مطلقاً ولكن بعد تسنم ساسة الصدفة دفة الحكم، أمسى البلد متفرقاً عندما أصبحت لغة المتطفلين من الساسة، هي مفردات الأغلبية الشيعية أو الأغلبية السنية، فزرعت أول بذرة، للنعرات الطائفية المقيتة.
لم تكن مصادفة أن يتكلم السياسيون، من الطرفين بهذه اللغة، والسبب أنها طريقهم من أجل المناصب، فمَنْ تكلم عن ظلم السنة للشيعة في زمن البعث، ويدافع عن مظلومية الطائفة الضعيفة، رغم أكثريتها يصبح بطلاً بنظرهم، ويضمن أصواتاً انتخابية أكثر، وكذلك من الساسة السنة مَنْ كان يهتف بعودة الحكم، الى نصابه السني كما يتصوره البعض، أن الأحقية للسنة بالحكم فيكون بطلاً هو أيضاً في نظر ناخبيه من السنة.
كل الساسة يبكون على ليلاهم متناسين البلد، وهو أرض خصبة لبذور الطائفية، وفق نظرتهم الفئوية الضيقة لتثمر عن نبته كبيرة، ومن الصعب السيطرة عليها، فعزفوا بأوتارهم عليها فساسة الشيعة يعزفون لحنا إيرانياً بإمتياز، وساسة السنة يعزفون سعودياً أيضاً، غير مبالين بدماء الأبرياء من البسطاء الذين تصوروا أن التغيير سيعيد حقوقهم المسلوبة، وسيكون للعراقي شأن كبير بين البلدان وما حصل هو حرب أهلية بين الإخوة والأقارب، حرب طاحنة أخذت كثيراً من الأبرياء دون أي ذنب سوى أنهم عراقيين.
العراق فسيفساء جميلة، جمعت بداخلها أطياف عدة، شيعتها وسنتها وهم الخال وأبن الأخت، وتربطهم المودة والإحترام رحماء فيما بينهم، أشداء على الكفار متصاهرين مع بعضهم البعض، فالسني متزوج من شيعية والشيعي متزوج من سنية، وكذلك الكردي والمسيح، والصابئي والشبك والأيزيدي، كل القوميات تعيش بسلام في أرض الرافدين حتى وصلت الأحزاب والكتل، فتفرقت بهم السبل وصنعت وحشاً مخيفاً إسمه داعش، وجميع الدخلاء في العملية السياسية مسؤولون عن صناعته، ومن يدفع الثمن هو العراقي البسيط الذي أمسى حطباً لنار الطائفية، والصراعات الحزبية الحقيرة.
إذا بقي الأمر كما هو عليه وساستنا يعزفون على وتر الطائفية، فسيمسي من الصعب العيش في هذا البلد، لأنه سيصبح لطائفة واحدة وهي الطائفة الشيعية لكونهم الأكثرية، والحصول على جنسية عراقية لشخص سني ستكون أمراً مستحيلاً، وعندما يُكتب الدستور الجديد، لعراقهم الشيعي، سنجد في الفقرة الأولى منه ما يلي: (لا تمنح جنسية عراقية، الى أي مواطن من الطائفة السنية، مهما كانت الأسباب!).