لعلّ أول اعتصام في التاريخ الاسلامي هو اعتصام الصحابة في باب الخليفة الثالث عثمان بن عفان في حادثة تاريخية معروفة ,,حيث استطاع مجموعة من الصحابة والتابعين تسلّق جدران دار الخلافة وطعن الخليفة وقتله, كان وضع المسلمون انذاك لا يختلف كثيرا عن وضعنا اليوم ,,لان عثمان ساهم بخلق طبقية مجتمعية هائلة حيث منح الاف الدراهم من الذهب للمقربين عليه مثل مروان ورفاقه وترك الاخرين يكدحون ليل نهار وتؤخذ الاموال منهم للمرفهين والمتملقين والبطانة الخاصة التي تُسبّح وتُمجد بافعال واقوال الخليفة وتُريه صورة مغايرة ومقلوبة تماما عن الواقع وهذه هي وظيفة البطانة سواء كانت بطانة لمرجع او لزعيم سياسي او مسؤول حزبي او رئيس عشيرة..الخ , بعد مقتل الخليفة الثالث كان للامام علي ع” وصف عميق للاحداث انذاك اتمنى ان لا نكون اليوم مصداقا لهُ ..حيث قال في وصف وضع الخليفة والمعتصمين (( اِسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ اَلْأَثَرَةَ وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ اَلْجَزَعَ وَ لِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي اَلْمُسْتَأْثِرِ وَ اَلْجَازِعِ )) الحكومة هي الخليفة اليوم وهي التي استأثرت بكل شيء ونحن من أوصلناها الى هذه الحالة من الاستهتار بحقوق الناس وسرقة اموالهم فنحن شعب متحزب لا نتحرك ولا نرَ الظلم بعيوننا الا بعد ان يخبرنا عنه الاخرون الذين هم ايضا لا يخبرون الناس عنه الا اذا اقتضت مصالحهم ذلك ,منذ سنة والمتظاهرون المدنيون يصرخون في ساحات الاعتصام والجميع يتفرج عليهم ويسخر منهم ولم ينزل الشعب معهم بحجة انهم رفعوا شعارا ضد الاسلام والحق ان هؤلاء المدنيون لا يجيدون لعبة الاحزاب القذرة فخسروا في اول نزال وتضاءل جمهورهم بسبب هتافهم الشهير( باسم الدين باكونه الحراميه) حيث استطاعت هذه الاحزاب من الترويج بان هؤلاء يطعنون بالدين ويبحثون عن الاباحية..الخ,,الحكومة والاحزاب استأثرت بكل شيء ويجب ان يكون جزعنا واعتصامنا بالحد الذي يعيد الاشياء الى نصابها ولا يفنيها عن بكرة ابيها فالفرق بين الاصلاح والثورة هو ان الثورة تقتلع كل شيء امامها أما الاصلاح فيُبقي الاشياء الجيدة ويستأصل الفاسدة ,,الاعتصام اليوم لايحمل مشروع ولا رؤية والموقف لا يزال ضبابي ومُبهم فمن جهة فان التيار الصدري كان ولازال شريك في الحكومة وفي الوقت ذاته يطرح نفسه كمعارض لها ,,الناس تسأل ماذا بعد الاعتصام ؟ تُرى من يستطيع ان يقف بوجه شعب موتور مسلح اذا انفلتت الامور وانزلقت الى الهاوية هل للجهات الداعمة للاعتصام مشروع سياسي لبناء الدولة ؟ هل لديها الرغبة في التخلي عن جناحها العسكري وحلّه نهائيا ؟ كيف يمكن بناء الدولة وكيف سيكون شكلها فيما لو استمر وجود فصيل وجناح مسلح لكل جهة سياسية سواء كانت داعمة للاصلاح او تقف ضده , لايمكن ان تكون هناك دولة مدنية ترعى حقوق ومصالح الناس وتؤسس للعدالة والضمان الاجتماعي والامني وحرية التعبير وهي بذات الوقت تعج بمكاتب الفصائل المسلحة ,,اذا كانت بعض هذه الفصائل تقاتل داعش بمفردها ولا تريد ان تأتمر بأُمرة الجيش او الشرطة الاتحادية فكيف تمتثل وتنصاع هذه الجهات في المستقبل او الحاضر لبناء دولة عصرية تحترم حرية التعبير وتقوم على علاقة حسن الجوار وبناء الثقة في داخل الحكومة , الثقة التي تعد المبدأ الاساسي المفقود اليوم بين كافة الاطراف السياسية وما لم يتم ترميم واعادة بناء هذه الثقة وتجفيف منابع التطرف والقنوات الفضائية التي تدفع باتجاه خلق حالة من عدم الانسجام وتوسيع الشرخ الطائفي وادامته لمدة اطول من اجل خدمة الاجندة الخارجية التي وجدت العراق ارضا مفتوحة لتصفية الحسابات والمجيء بشذاذ الافاق من كل اصقاع الارض الى هذا البلد , ان التغيير المنشود يجب ان يكون في بُنية وثقافة الشعب المتحزب وكل تغيير يأتي به حزب او كتلة فأنه سيغير قواعد اللعبة فقط ولا يأتي باصلاح جذري يقضي على المحاصصة والطائفية التي أكلت وشربت دماء شباب هذا البلد الذي يأن ويصرخ فلا مغيث له , والتي اعتمدت بالاساس على جهل وسذاجة وسطحية الكثير من ابناء الشعب العراقي وتقديسه الاعمى لقياداته دون مساءلة او نقد او اعتراض[email protected]