17 نوفمبر، 2024 10:48 م
Search
Close this search box.

أولى القرارات المتعثرة لوزارة التربية تدعونا لقراءة سورة الفاتحة على التعليم في العراق

أولى القرارات المتعثرة لوزارة التربية تدعونا لقراءة سورة الفاتحة على التعليم في العراق

اتخذت وزارة التربية قرارا مثيرا للجدل بالمنظور الحسابي ألرياضياتي وهو اختيار يوم الثاني والعشرون من شهر أكتوبر أول يوم في العام الدراسي لمختلف المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في الوقت الذي يحتاج فيه الطالب في العراق الجديد الى إلغاء جميع العطل بما فيها العطلتين الربيعية والصيفية ومضاعفة ساعات الدراسة اليومية ولعدة سنوات ليستطيع مواكبة التطور العلمي والدراسي المتسارع في العالم؟ نعم لأن التعليم في العراق وبمختلف مراحله سواء الأولية أم الجامعية أم العليا قد تهرأ بفعل الظروف التي مر فيها البلد ليس في عهد إحتلال العراق الجديد بل منذ زمن الحصار الذي فرضته الصديقة أمريكا وحلفاءها الأعزاء؟؟؟                                                                
إن التعليم في العراق قد تعثر كثيرا خلال السنوات العشر المنصرمة , فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لم يمر التعليم بمثل هذه الانتكاسة التي دمرته وجعلته تعليما معوقا بكل أشكال العوق, ففي الوقت الذي يتسابق العالم على ابتكار الطرق الجديدة للتعليم وعقد المؤتمرات الهادفة لدعم التعليم بكل وسائل الدعم المعروفة وليست مؤتمرات فنادق الخمس نجوم وموائد الطعام التي تنتهي عادة بتخدير العقول نتيجة ملأ البطون؟؟؟ عموما فالمؤتمرات الدولية الخاصة بالمناهج وطرق التدريس الحديثة واستخدام التقنيات المتطورة في إيصال المعلومة أصبحت في مقدمة الاهتمامات الدولية في تدعيم أسس التعليم , فالشعوب المتعلمة تخلق بلدانا مزدهرة..                                                     
عودة إلى السطر الأول من هذا المقال للتعريج على القرار المثير للجدل حسابيا ورياضيا, فلو استخدمنا الحاسبة وقمنا بحساب الأيام الاعتيادية التي يرتاد فيها الطالب المدرسة والساعات المقررة له خلال العام الدراسي لوجدنا ان ساعات الدراسة اليومية – مع اعتبار ظروف العراق ظروفا طبيعة-  فإنها سوف لن تتعدى الثلاث ساعات بالمعدل العام في أي حال من الأحوال, فالجدول اليومي الدراسي عبارة عن اربع إلى خمس دروس يوميا بواقع أربعين دقيقة للدرس الواحد أي مائتي دقيقة بمعنى أنها ثلاث ساعات وعشرون دقيقة, والعشرون دقيقة ضائعة بين دخول الطلبة للصفوف بعد رنين الجرس وتسجيل الغيابات وتحضير المعلم لمادته ومسح اللوحة وغيرها, ولو ضربنا هذه الساعات الثلاث في عدد أيام الأسبوع الدراسية الخمسة لأصبحت خمس عشرة ساعة في الأسبوع وستون ساعة في الشهر وأربعمائة وثمانون ساعة في العام الدراسي وهذه الحسابات ضمن الظروف الطبيعية للبلد, ولو أخذنا وضع البلد في ظروفه الحالية لوجدنا أن الوضع الدراسي في العراق مأساوي قبل هذا القرار فكيف سيكون بعد هذا القرار؟؟؟؟ وسأستعرض بشكل نقاط وبشكل واقعي معوقات الوضع الدراسي والنتائج الكارثية التي آل إليها هذا الوضع خلال السنوات العشر المنصرمة والتي أنهكت التعليم بكل مفاصله.                                                                                                      
1 – المناسبات الدينية التي تعرقل سير العملية التعليمية في العراق وما يتخللها من هدر غير معقول ومنطقي لساعات الدراسة, ففي معظم المناسبات الدينية تقوم الحكومة المركزية بمنح عطلة ليومين او ثلاثة أيام لزائري العتبات المقدسة من إخواننا الشيعة والتي يسبقها قرارات للحكومات المحلية بمنح عطلة رسمية لفترة أطول عدا التوقف الاضطراري عن الدوام بسبب إغلاق جميع الطرق وتحديد حركة العجلات خوفا على سلامة الزائرين او بسبب الازدحامات الناشئة عن الزيارات المليونية كما يطلق عليها, وبرغم من وجود تسع وأربعون مناسبة دينية بين ولادة ووفاة للرسول (ص) والمعصومين (رض) فأنني سوف انتقي خمس مناسبات فقط وأقوم بحساب الهدر الحاصل في الوقت والذي ينعكس على الدراسة في العراق, فمناسبات محرم الحرام ووفاة الرسول (ص) والزيارة الشعبانية ووفاة الإمام الكاظم (رض) وعيد الغدير تأخذ الواحدة منها أسبوعا كاملا تتوقف فيها الحياة في كل مرافق الدولة من بغداد والمناطق المتاخمة لها حتى أم قصر في البصرة , أي ثلثي العراق تقريبا, ولو حسبنا الساعات المهدورة لوجدناها أكثر من خمس وسبعون ساعة ؟؟؟؟ هذا مع عدم إحتساب الهدر الناشئ عن باقي المناسبات الدينية التي تأخذ ربما نصف هذا الرقم حتى لا أبالغ في الحساب.    
2 – المناسبات والأعياد الاعتيادية والوطنية والتي لو افترضنا انها عشرة مناسبات خلال العام لفقدنا خمس وعشرون ساعة في أقل التقديرات.                                                                                           
3 – المناطق الساخنة كما يطلق عليها والتي تتعرض للهجمات الإرهابية والتفجيرات والهدر الحاصل فيها لساعات الدراسة بسبب التوقف القسري عن الدراسة.                                                                          
4 – الكوارث الطبيعية (بالمنظور العراقي) ؟؟؟ فالعواصف الترابية التي تقلع المدارس المتهرئة في القرى والارياف والأمطار التي تهطل في ايام معدودة على العراق تعد كوارثا طبيعية لما تسببه من فيضانات في الشوارع وغرق المنازل و المدارس بسبب سوء البنى التحتية وبالتالي تعطيل الدراسة بسبب تهدمها او عدم امكانية الوصول الى المدارس او غرقها وتلف محتوياتها                                                                                             
4 – الظرف الأمني المتردي والانفجارات التي تطال معظم مناطق العراق والتي تؤدي في معظمها الى توقف جزئي للدراسة في المدارس.                                                                                              
وغيرها من المعوقات التي تمنع سير العملية الدراسية بشكلها الصحيح , أما النتائج الكارثية المترتبة عن هذه المعوقات والتي تعد كوارث في نظر المعايير الدولية الدراسية والتربوية فيمكن تلخيصها بما يلي:                                
1 – استحالة إكمال المقررات والمفردات الدراسية المنهجية الأساسية والتي تعتمد عليها المراحل الدراسية اللاحقة وبالتالي سوء الوضع العلمي لعدم اكتمال تلك المناهج , كمن يبني بناية متعددة الطوابق على اساس هش؟؟؟                  
2 – ازدهار الأمية بين طلبة المدارس , وهذه هي الطامة الكبرى حيث أن معظم الطلبة وبالوقائع يعانون من أمية رغم ارتيادهم المدارس لعدم توفر الوقت الكافي للحصول على المعلومة ناهيك عن عدم قدرة معظمهم على ضبط اللغة قراءة وكتابة.                                                                                                           
3 – تشجيع المعلمين والتدريسيين على القيام بإعطاء الدروس الخصوصية وابتزاز الطلبة وإجبارهم على دفع المبالغ الكبيرة وابتداء من المراحل الابتدائية رغم أنها مخالفة للقانون وللأخلاق العلمية والتربوية.                            
4 – تنشئة أجيال غير واعية وغير مثقفة مقارنة بالأجيال السابقة والأجيال الغربية من حيث كثافة ونوع المعلومات التي يتلقاها الطالب في المدرسة والتي تعد أساس بناء شخصيته المستقبلية وبناء المجتمع.                                 
5 – تخريج أجيال غير كفئة وغير قادرة على إدارة وبناء البلد مستقبلا لعدم حصولها على المعلومة الأساسية بشكل منهجي دقيق وبوقتها المطلوب بل وعدم حصولها على الكثير من المعلومات الأساسية بسبب عدم توفر الوقت الكافي للحصول عليها.                                                                                                    
ولو عدنا للمعادلة الحسابية السابقة لوجدنا أن نصف الوقت الممنوح للدراسة في العراق مهدور, حيث لا يصفى سوى مائتان وأربعون ساعة في الوقت الذي يخصص فيه الغرب ووفقا للمعايير التربوية الدولية ما يقارب الألف وخمسمائة ساعة دراسية خلال العام ليضخ فيها آلاف المعلومات العلمية للطالب في أجواء دراسية راقية جدا وباستخدام احدث الوسائل العلمية وفي ظل اقتصاديات لا ترقى الى مستوى الاقتصاد العراقي لكنها تخصص اكبر قدر من ميزانياتها على التعليم.. فإن كان هذا أول قرار وزاري غير مدروس وفي ظل هذه الظروف والمعطيات فماذا ستكون القرارات القادمة ؟؟؟
رحم الله من قرأ سورة الفاتحة على التعليم في العراق وعلى العراق.

أحدث المقالات