– “الجائع يتكلم عن الطعام، المفلس يتحدث عن النقود، أما علية القوم وأصحاب السيادة والجاه فيتحدثون عن الأخلاق”
سيغموند فرويد.
– قال ونستون تشرشل (رئيس وزراء بريطانيا في منتصف القرن الماضي) الذي كان بدينا، للفيلسوف الساخر برنارد شو نحيف الجسم: “من يراك يظن أن بريطانيا تعيش مجاعة قاتلة“ فرد عليه برنارد شو: “ومن يراك يظنك السبب في هذه المجاعة”.
– دوّن الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط في كتابه (سياف الزهور) نصوصا ومقالات، اخترت منها نصًا، أسماه المرافعة، جاء فيه:
في الساحات العامة والشوارع المزدحمة، كان هناك مواطن ينادي بصوت عالٍ بأن (الوطن يساوي حذاء)، فاعتقلته السلطات وأحالته إلى المحكمة، وخلال عرضه على القاضي دار بينهما الحوار الآتي:
القاضي: كفاك تظلما وارتباكا ودموعا، واقسم ان تقول الحق، ولا شيء غير الحق.
– المتهم: أقسم.
– القاضي: ضع يدك على الكتاب المقدس، وليس على دليل الهاتف.
– المتهم: أمرك سيدي.
– القاضي: هل كنت بتاريخ كذا، يوم كذا، تنادي في الساحات العامة، والشوارع المزدحمة، بأن الوطن يساوي حذاء؟
– المتهم: نعم.
– القاضي: وأمام طوابير العمال والفلاحين!
– المتهم: نعم.
– القاضي: وأمام تماثيل الأبطال، وفي مقابر الشهداء!
– المتهم: نعم.
– القاضي: وأمام مراكز التطوع والمحاربين القدماء!
– المتهم: نعم.
– القاضي: وأمام أفواج السياح، والمتنزهين!
– المتهم: نعم.
– القاضي: وأمام دور الصحف، ووكالات الأنباء!
– المتهم: نعم.
– القاضي: الوطن.. حلم الطفولة، وذكريات الشيخوخة، وهاجس الشباب، ومقبرة الغزاة والطامعين، والمفتدى بكل غالٍ ونفيس، لا يساوي بنظرك أكثر من حذاء، لماذا؟
– المتهم: حين كنت أنادي بتلك العبارة، كنت حافيا يا سيدي القاضي.
على مر التاريخ، كانت التظاهرات السلمية بمثابة القوة الدافعة وراء بعض أقوى الحركات الاجتماعية، إذ أنها تكشف الظلم وسوء المعاملة، وتدنّي مستوى ضمانحقوق المواطنين، وما خروج الأخيرين للتظاهر السلمي إلا كرد فعل مشروع، لما يعانونه من غمط وسلب لحقوقهم، وقطعا هم لم يخرجوا إلا بعد أن طفح الكيل بهمجراء تهميشهم وإهمالهم، وبعد أن وُضعوا بزاوية ضيقة لا مناص من ولوجها،وغالبا ما يكونون قد استنفدوا كل السبل الرسمية، لتنبيه قادتهم ومسؤوليهم على الالتفات إلى متطلبات عيشهم الملائم، كما تتضمن فقرات مطالباتهم -عادة- وضع المتسببين بما آلت إليه أوضاعهم تحت مطرقة المساءلة، فهم يدركون أن (دخول الحمام ليس كخروجه).
إن أحداثا كهذه يجب أن لا تكون عابرة تأثيرا وفعلا ونتائج وتداعيات، لاسيما لدى الحاكمين في الدول جميعها، فهي درس عملي بليغ واللبيب يأخذه على محمل الجدفي التطبيق، وعبرة يعتبر بها المقصرون والساهون والمغرضون، وتجربة واقعيةتحمل مغزى ومعانيَ عميقة، تغني القادة عن الخوض بمثلها مع شعوبهم، وتخرجهم من دوائر الاتهامات، وتدخلهم موسوعات الرؤساء والزعماء الشرفاء، والتي تؤرخ ما حدث في أوطان كانوا قد ترأسوا حكمها في حقبة زمنية، واتخذوا من مناصبهم القيادية تكليفا لا تشريفا، ساروا فيها وسيّروا بلدانهم على نهج سليم هادف، شعاره البناء لا الهدم، ودأبهم العمل الجاد لا التقاعس المقنّع، بهذه المعطيات لا بغيرها تُبنى البلدان وتُعمّر الأوطان، فيرتقي الإنسان دون مشاكل وعراقيل تنغصحياته، وتُشعره بأن حقه مسلوب بوطن منهوب مستباح، فحينها يتملكه الإحباطوالقنوط، ويتلبسه اليأس من تقويم ما اعوج من خطه الذي رسمه لحياته، فتترتب على هذه الترديات مخاطر عديدة، أولها تظاهر وعصيان وتمرد، وآخرها ثورة لا محالة.